متفرقات

“بوطبيلة” موروث شعبي مهدد بالزوال

 

أبو طبيّلة أو المِسحراتي كما يطلق عليه في اغلب مدن الوطن العربي، هو الرجل الذي يحمل طبلة وعصا صغيرة ويجوب الأحياء والشوارع، يوقظ الناس من نومهم، ويشعرهم بأن وقت السَحور قد حان، مرددا كلماته الشهيرة “قوموا تسحروا”،”قوموا تسحروا” لتدب الحركة من جديد في المنازل وتــُنار الأضواء فالكل يستعد لتحضير وجبة السحور ليستعدوا من ثم للصلاة .

 

“بوطبيلة “تونس : عم بوطبيلة الذي شهر بلباسه التقليدي الجبة التونسية و الشاشية حاملا طبلته و عصاه و يضل طيلة شهر رمضان يجوب بين الشوارع و الأزقة ضاربا بعصاه على طبلته مرددا بعض الأناشيد مناديا للسحــور مهلا بكل من يعترضه لا سيما الأطفال الذين يتراقصون في بعض الأحيان على أنغام طبلته سعيدين بقدومه.

صوت بوطبيلة ارتبط ارتباطا وثيقا برمضان فلا تحلو ليالي الشهر الكريم بدونه فالعائلات التونسية تفتقد صوتـــه و أنغامه و ينتظرونه كل ليلة فعم “بوطبيلة ” صديق الجميع يضل يجوب الشوارع طيلة الشهر و في العيد يستقبله الناس بالترحاب ويتبادلون معه التهاني، ويقدمون له الهدايا و الحلويات ، وكل حسب مقدرته لتكون عطاياهم زكاة فطرهم.
و اليوم و مع اتساع المدن التي تشقها شوارع واسعة وبنايات شاهقة ومع تطور نسق الحياة وسرعتها واعتماد وسائل أخرى بديلة عنه بدأ صوت “بوطبيّلة” في تونس يتلاشى ليقتصر في بعض الأحيان على مدن و قرى بعينها كالقيروان و مدنين و غيرها و التي يحرص أهاليها على المحافظة على هذه العادة من الاضمحلال.

المسحراتي:
المسحراتي الذي أصبح جزء من التراث العربي، يختلف بطريقته وأسلوبه من بلد إلى آخر، كما تختلف العبارات التي يرددها لإيقاظ الصائمين، وأول مسحراتي في التاريخ الإسلامي، قيل كان بلال بن رباح وهو أول مؤذن في الإسلام، حيث كان يجوب الشوارع يوقظ الناس بصوته العذب، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول، إن بلالا ينادي بالليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن كلثوم، وكان ابن أم مكتوم يتولى آذان الفجر.

و في مصر، كان أول من نادى بالتسحير عنبسة بن إسحاق سنة 228 هـجرية وكان والياً على مصر، ويذهب سائراً على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص وينادي الناس للسحور.
ومن العبارات المشهورة للمسحّرين على مدار تاريخ مصر قولهم: – يا نايم وحّد الدايم يا غافي وحّـد الله – يا نايم وحّد مولاك للي خلقك ما بنساك – قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم
في لبنان ومع مرور الوقت، طوّر بعض المسحراتية عملهم، ودخلت على الخط بعض تقاليد الفرق الصوفية، فتحوّل المسحراتي في لبنان من فرد، إلى فرقة تضم عدة أشخاص، يحمل أفرادها آلاتهم الموسيقية ويجوبون الشوارع ومنذ 24 عاماً تقريباً، تواظب الفرقة على إيقاظ أهل المنطقة في ليالي رمضان، ليتناولوا سحورهم، مرددين ابتهالات وأذكاراً توارثوها عن أسلافهم.
في المغرب يطلق عليه “النفار” وجاء نسبة إلى آلة النفخ النحاسية الطويلة الشهيرة، ولازالت قائمة بين أهل القري والأحياء الشعبية، وينشد “لا إله إلا الله لا إله إلا الله، لا إله إلا الله ربي وحده، لا شريك له هو الوحيد سبحانه” وينفخ بالنفار 3 مرات ويتوارثها الآباء عن الأجداد.
وفي السودان يطرق المسحراتي أبواب المنازل ومعه طفل صغير يحمل الفانوس وورق كتب بها أسماء أهل الحي لينادي كل واحد بإسمه.
واشتهر المسحراتي السوداني بترديده عبارات “اصحوا يا نايمين، أصحوا يا جيران، أصحوا يا ناس يا حلوين، أصحوا واسحروا، وقولوا نوينا نصوم رمضان، أصحى يا نايم وحد الدايم”.
ووسط شبح الاندثار والزوال النهائي تعدّ محاولات إعادة إحياء موروث “المسحراتي” او “أبو طبيلة ” محتشمة وقليلة جداً في المجتمعات العربية فهو موروث شعبي لا تكتمل دونه نكهة شهر رمضان .

 

المصدر جوهرة فم