أحداث عامة

في ميناء الشابة: لا صوت يعلو على “بتة الشرافي” بين الصيادين

لا حديث في ميناء الشابة، هذه الأيام الا على اعلان “بتة الشرافي” لهذه السنة، بين بحارين وصيادين متحمسين لاستعجال اتمامها، وغاضبين لما قد يسببه ذلك من تقليص للثروة السمكية في سواحل الشابة.

والشرافي لمن لا يعلم، هي تقنية من تقنيات المصائد البحرية الثابتة، تعد من مسالك تتكون من أوراق النخيل “الجريد”، وغرف بحرية تحبس فيها الأسماك ، على شكل الحرف اللاتيني(V)، موجهة بالأساس لاصطياد الأنواع البحرية المتنقلة..

يقول صالح شرف الدين كاتب عام الجامعة الوطنية للصيد البحري بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، ان سلط الاشراف أشرت على الانطلاق في عرض “البتة” خلال الأيام القليلة القادمة، لتجنب عطالة عشرات العاملين في القطاع..

ويضيف أنه يتم حاليا، توسيع الميناء، وتوسعة سوق الجملة للأسماك بالشابة ، مشيرا إلى أن عدد الوسطاء “القشارة” به، سيصل إلى 12 بعد أن كانوا 6 فقط. ويستعد أصحاب المراكب والصيادون بمختلف التقنيات لبذل مجهودات مضاعفة لتغطية حاجة السوق..

في المقابل، يؤكد بسام الصغير، الكاتب العام للنقابة الأساسية لبحارة الصيد الساحلي بالشابة وملولش (الاتحاد العام التونسي للشغل)، أن صيادي السواحل الصغار، سيمنعون اعلان البتة وإتمامها بكل ما أوتوا من جهد.

ويفسر الصغير أسباب اعتزامهم منعها ، بكثرة التجاوزات لمتسوغي “الشرافي” ، والأضرار الجمة لهذه التقنية على الثروة السمكية بالمنطقة، وعلى الصيادين الصغار وقوت أبنائهم، ما جعلهم في حالة غضب مستمر منذ سنتين تقريبا…

تفيد دراستان فنيتان ، أنجزهما المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار بمشاركة الادارة العامة للصيد البحري وتربية الأسماك ، بين 2016 و2017، لمعاينة فنية لمصائد الشرافي في الشابة، أن مسالك التوجيه في أغلب الشرافي، تتكون من الشباك “الريدسة” في تجاوز سافر للقانون..

وتلزم كراس الشروط المتعلقة بكراء مصائد الشرافي بالشابة في فصلها الثامن، متسوغيها بأن “يستعملوا جريد النخيل دون سواه في بناء مختلف أجزائها باستثناء غرف صيدها ” (صدرت كراس الشروط في 27 جويلية 2017).

كما توثق نفس الدراستين، أن جل “الشرافي” المستغلة، تجاوز مساحاتها 80 ضعفا تقريبا، مقارنة بمساحاتها القانونية..

فتشير دراسة 2017، على سبيل المثال لا الحصر بأن شرفية “مادة ابراهيم” تقارب مساحتها ال 230 ألف متر مربع، في حين أن مساحتها القانونية لا تتجاوز 3 الاف متر مربع، ونفس الشأن بالنسبة لشرفية “زرب الهيلي” التي تتجاوز مساحتها الحالية 240 ألف متر على أنها أعدت لتمسح 4 آلاف متر فقط..

ويعتقد محمد وعبد السلام ، وهما بحاران شابان من الشابة، يملكان زوارق صيد ساحلي صغيرة، بأن متسوغي الشرافي سدوا جميع مسالك ومنافذ تنقل الأسماك بشواطئ الشابة، التي تعد معبرا لعدد من أنواع الأسماك..

ويرى البحاران بأن توسع مساحات الشرافي واستعمال الشباك بدل الجريد، سد المنافذ على أسماك “الصبارص والبوري والميلة والقاروص والورقة والمعزة …) وهدد مستقبل الثروة السمكية ولقمة عيش الصيادين الصغار..

تحصي النقابة الأساسية للصيد البحري بالشابة وملولش عدد الزوارق المعدة للصيد الساحلي بـ 950 زورقا في ميناء الشابة وحدها .. جميعهم غاضبون من مختلف أنواع الصيد العشوائي في سواحل الشابة..

تقول دراسة المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار المعدة لسنة 2016، ان التجاوزات التي تشهدها الشرافي، “أصبحت تشكل حاجزا للأسماك الداخلة الى الأعماق القصيرة والخارجة منها” ..

وتحذر نفس الدراسة من أن الشرافي على شكلها الحالي، و”نهمها في جمع جميع أنواع السمك”، “قد تسبب في الاضرار بالمخزون السمكي والمحيط البيئي”..

ويشدد محمد وعبد السلام ، الصديقان الحميمان اللذان تخليا عن تكوينهما الجامعي في الميكانيك الصناعي، وتشبثا بمهنة الجدود، على القول “نحن نتبع كل من يضمن قوتنا وقوت أبنائنا ، ونخشى أن تشح خيرات بحرنا”..

يحتضن ميناء الشابة، اضافة الى متسوغي الشرافي، 1400 مركب صيد، جلها معدة للصيد في الأعماق، ويعمل 70 بالمائة ، من بين 8800 عامل في قطاع الصيد البحري في ولاية المهدية ، في الشابة وحدها، وفق احصائيات الجامعة الوطنية للصيد البحري بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري.

ويتهم جل صغار الصيادين في الشابة لكن “خفية”، المستثمرين في البحر وأصحاب مراكب الصيد الكبيرة، ومتسوغي الشرافي باستعمال تقنيات غير قانونية، فيضرون الثروة السمكية ( من ذلك الصيد أيام الراحة البيولوجية والصيد بالكركارة).

يتحدى صلاح شرف الدين، جميع السلط والاستقصائيين والباحثين، أن يوجد بميناء وبحر الشابة تجاوز واحد أو مظهر للصيد العشوائي ” الا من فعل الغرباء عن هذه السواحل وأعماقها”..

ولا يتحمس شرف الدين ، سوى عند الحديث عن توسيع السوق الجملية للأسماك بميناء الشابة ، وقيمة هذا المشروع التي تجاوزت ال500 ألف دينار، و يعمل من أجل الانتهاء من بتة الشرافي..

في الأثناء يتجول محمد وعبد السلام، على دراجة نارية بالية، في أرجاء الميناء ومقاهيه، يدخنان السجائر ويشربان قهوة “الفيلتر”، ولن يخرجا للصيد خلال هذه الأيام ، بالنظر لتعكر الحالة الجوية وهيجان البحر، في انتظار شروق شمس يوم جديد يكون فيه البحر هادئا وثريا كما يحكي عليه شيوخ الصيادين في الشابة.

المصدر وات