يبدو أنه يتوجب عليك عدم تجاهل الأحلام الغريبة التي تراودك، فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بمجريات حياتك اليومية وتتداخل مع كل ما تتفاعل معه خلال فترة اليقظة، وهو ما يمكن للعلم تفسيره بشكل واضح.
وعمدت الكاتبة آليس روب إلى تحليل أحد أحلامها الغريبة في تقريرها الذي نُشر في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، حيث استند هذا التحليل إلى تجاربها الشخصية وآراء العلماء والاختصاصيين النفسيين والمتخصصين في دراسة الأحلام.
وأشارت روب إلى حدث مواعدتها لرجل ما، لتجد أن حلمها مرتبط بالموعد الذي حظيت به معه في الواقع، مما يبين أن عدم قدرتنا على اتخاذ الخيارات في الحياة سيلقي بظلاله على أحداث وطبيعة الأحلام التي تراودنا لوضع حد للشك ومساعدتنا على اتخاذ القرار.
وبحلول الوقت الذي نصبح فيه راشدين، سيكون أغلبنا قد تقبل فكرة أنه يجب علينا عدم التحدث عن أحلامنا، في حين تشير الأبحاث إلى أن مرحلة نوم حركة العين السريعة، التي تراودنا خلالها معظم أحلامنا، تعد عاملا حاسما لصحتنا العقلية والجسدية.
ليست قصصا سخيفة
في الحقيقة، ينبغي ألا ننظر إلى أحلامنا على أنها طفولية أو مجرد قصص سخيفة، حيث إنها تمثل نافذة رائعة على ما يحدث في حياتنا، كما أن إيلاء الاهتمام الكافي بها من شأنه مساعدتنا على فهم أنفسنا بشكل أفضل، وذلك بغض النظر عما إذا كانت تتضمن سقوط أسناننا أو حوارنا مع أحد الأشخاص المتوفين.
ونقلت الكاتبة تصريح عالم الأعصاب الفنلندي، آنتي ريفونسو، الذي يرى أن معظم المشاعر التي تخالجنا خلال الحلم تكون سلبية، وتشمل في معظمها الخوف والعجز والقلق، وهو ما يدعم المعتقد السائد بأن الأحلام تتيح لنا إمكانية التخلص من هذه المخاوف في بيئة حيث يكون الخطر منخفضا.
ووفقا للدكتور ريفونسو، تمثل هذه المعضلة لغزا كبيرا، لا سيما أن معظم أحلامنا تكتسي طابعا سلبيا. لكن الأمر الإيجابي في هذه الأحلام يتمثل في كون التعامل مع المواقف الخطيرة أثناء النوم يساعدنا على معالجة مواقف مماثلة عندما يحين وقت مواجهتها في الحياة الواقعية.
محاكاة الخطر
وأفادت روب بأن نظرية “محاكاة الخطر” التي يروج لها العالم الفنلندي تشرح سبب انتشار الأفكار السلبية والعدوانية في الأحلام، حيث تساهم هذه التهديدات في مساعدتنا على معالجة مشاكلنا اليومية.
وقد قامت تجربة علمية على حرمان الفئران من النوم خلال مرحلة حركة العين السريعة، ليتضح أنها واجهت مشاكل عند عبور المتاهات في وقت لاحق.
وحتى إذا ما فشل الشخص في تجاوز العقبات التي واجهها خلال الحلم، فسيستفيد من ميزة كون هذه العقبة مألوفة بالنسبة له عندما يواجهها في الحياة الواقعية.
لكن في بعض الأحيان، لا تعكس الأحلام ما نواجهه في حياتنا اليومية، بيد أنها قد تشير إلى مشاكلنا بطريقة ما، حيث بإمكان كابوس يتضمن خوضنا لاختبار كتابي في المدرسة أن يعكس بعض المشاكل التي نواجهها في العمل.
وأوضحت الكاتبة أن دماغنا قد يعمد في بعض الأحيان إلى تذكيرنا ببعض الأوقات التي عانينا خلالها نفسيا بسبب عدم قدرتنا على القيام بشيء نخشاه، مثل خشيتنا من خوض اختبار دون استعداد كاف أو شيء من هذا القبيل، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى منحنا المزيد من الثقة لمساعدتنا على تجاوز المحن.
بحث في السوربون
في سنة 2014، قادت اختصاصية الأمراض العصبية، إيزابيل آرنولف، مجموعة من الباحثين في جامعة السوربون، لإجراء بحث عن الأحلام التي تراود الطلاب الذين يطمحون لأن يصبحوا أطباء، ليتضح أن حوالي ثلاثة أرباع هؤلاء الطلاب البالغ عددهم 719 حلموا بخوضهم اختبارا مرة واحدة على الأقل خلال الفصل الدراسي.
وفي حين تضمنت أحلام الطلاب عجزهم عن حل بعض المسائل أو عدم تمكنهم من الوصول إلى مركز الامتحان بعد أن تاهوا في طريقهم إليه، توصلت الدراسة إلى استنتاج مفاده أن الطلاب الذين يحلمون بالاختبار يقدمون أداء أفضل في الحياة الحقيقية، حيث راودت الطلاب ذوي المراتب الخمس الأولى كوابيس تتعلق بمضي وقت الامتحان قبل تمكنهم من إتمامه وغيرها من الكوابيس المماثلة.
وأشارت الكاتبة إلى بعض التقنيات والحيل التي تمكننا من تذكر أحلامنا بشكل أكثر فعالية، حيث إن كتابتها على ورقة ما تعد أحد أكثر الوسائل فعالية لترسيخها في ذاكرتنا. كما يمكن للمرء أن يعمل على تذكير نفسه بأنه يريد تذكر أحلامه، ويحرص على المواظبة على هذه الممارسات.
وتطرقت الكاتبة إلى دراسة العالم النفسي، فريدريك سنايدر، الذي أفاد بأن معظم أحلام المشاركين في الدراسة كانت نسخة طبق الأصل عن الأحداث التي يتعرض لها الأشخاص خلال اليقظة. وفي المجمل، توصلت الدراسة إلى أن 38% من الأماكن التي شاهدها المتطوعون خلال أحلامهم كانت أماكن حقيقية، في حين كانت 43% منها شبيهة بأماكن يعرفونها.
وأفادت الكاتبة بأن مظاهر التغيير في أحلامنا لا تتخذ أنماطا عشوائية، حيث تتغير علاقتنا بالشخصيات داخل الأحلام، لكن صفات هذه الشخصيات لا تتغير، إذ لا يمكننا أن نشهد تحول شخص ما إلى جماد أو تحول الجماد إلى كائن حي، وهو ما يعكس الترابط بين الصور المتقطعة للأحلام.
وخلصت الكاتبة إلى أنه مهما تعقدت الأحلام وتشعبت أحداثها، تظل بعض المفاهيم غير قابلة للمساس بها، على غرار إدراكنا لذواتنا، فنحن نتعرف على أنفسنا داخل الحلم وندرك وجودنا، وهو ما يبين أن إدراك الذات يعد أحد مقومات أنظمة الذاكرة الطويلة المدى.
المصدر : نيويورك تايمز