– حوالي 9 آلاف متضرر يحالون سنويا على الحبيب بورقيبة بصفاقس
– 40 طبيبا شرعيا موزعون على كامل تراب الجمهورية
– 10 جثث مجهولة الهوية «ترقد» منذ أشهر بغرفة الأموات
– التحاليل السمية والمجهرية تؤخر نتائج التقارير
– لهذه الأسباب تضاربت التقارير في قضية «طفلة قبلاط»
عالم الطب الشرعي أو ما يعرف بعالم كشف أسرار الحياة والممات، عالم يقضي فيه الطبيب وقتا طويلا مع الجثث وربما ذلك ما جعل «فحص ما بعد الموت» لا يجتذب إليه الكثير من طلبة الطب ويتكون هذا الاختصاص من شقين، الشق الأول يخص الطب ويتعلق بجسد الإنسان سواء كان ميتا أو حيا أما الشق الثاني فيتعلق بالقانون وهو الفصل في المنازعات بين الأفراد وإثبات الحقوق ومن ثم إقامة العدالة ولذلك فإن تقارير الطب الشرعي ورقة مهمة من ورقات الملفات القضائية ولا يتعلق الطب الشرعي فقط بالأموات بل يتعداها الى فحص الاحياء ضحايا حوادث المرور والاعتداءات الجنسية لضمان حقوقهم وتقدير نسبة الضرر الذي لحق بهم ولكن ظلت التقارير الطبية محل جدل وظل الطب الشرعي محل اتهام حتى ان البعض لقبه بـ»ببغاء الداخلية» وشكك في مصداقية تلك التقارير وأسباب تأخر نتائجها في الوصول الى القضاء.
«الصباح» فتحت هذا الملف والتقت بعدد من رؤساء أقسام الطب الشرعي الذين تحدثوا الينا عن هذا القطاع والنقائص التي يعاني منها والأسباب التي تقف وراء تأخر نتائج التقارير كما كان لنا لقاء مع قاض تحدث الينا عن علاقة الطب الشرعي بالقضاء.
الطب الشرعي اختصاص نشأ في تونس مع بداية السبعينات ثم تطور شيئا فشيئا وكان في البداية يجتذب الطلبة الذكور ولكن اليوم اكتسح العنصر النسائي هذا الاختصاص وأصبحت المرأة جزءا هاما من هذه المنظومة الطبية ولكن ظل العدد محدود حيث يقدر عدد الاطباء الشرعيين ببلادنا بحوالي 40 طبيبا موزعين على كامل تراب الجمهورية وفق ما أفادنا به الدكتور منصف حمدون رئيس قسم الطب الشرعي بمستشفى شارل نيكول وحدثنا أن القسم الذي يرأسه هو اكبر قسم طب شرعي في تونس حيث يستقبل سنويا في حدود 2200 جثة أصحابها توفوا نتيجة جرائم قتل أو انتحار أو حوادث مرور أو موت مستراب.
ولئن كان الطب الشرعي يقتصر في وقت سابق على تشريح جثث الأموات أصبح اليوم يعنى بفحص أجساد الأحياء الذين يتعرضون للعنف الجسدي والجنسي وجرحى حوادث المرور وحوادث الشغل.
وووفق ما أفادنا به الدكتور منصف حمدون فإن الاعتداءات الجنسية سجلت ارتفاعا كبيرا خلال السنوات الأخيرة حيث يستقبل قسم الطب الشرعي بمستشفى شارل نيكول ألف حالة سنويا 80 بالمائة منهم من جنس الاناث 70 بالمائة منهم أعمارهم أقل من 18 عاما ومن بين ضحايا الاعتداءات الجنسية نساء متقدمات في السن ولأن ضحايا هذا النوع من الاعتداءات كانوا يأتون الى قسم الاستعجالي ويظلون ينتظرون دورهم مثلهم مثل بقية المرضى ويتم عرضهم على اطباء غير مختصين مما يجعل الفحص غير دقيق ما يضطر العديد منهم الى المغادرة والتخلي عن حقوقهم بعث الدكتور حمدون وحدة أطلق عليها اسم «وحدة إنجاد» سنة 2016 ساهمت في بعثها مكونات المجتمع المدني وجمعيات مهتمات بقضايا المرأة وقد تم ترميم بناية قديمة بالمستشفى وهناك يتم فحص الضحايا بعيدا عن بقية المرضى وحتى لا يشعر الضحية بالإحراج ويتم الفحص بطريقة علمية دقيقة وبحضور مختص في الطب النفسي يظل يراقب وضعية الضحية حتى يتجاوز محنته.
تضارب التقارير
سألنا الدكتور حمدون عن «طفلة قبلاط» وتضارب التقارير الطبية حيث جاء التقرير الاول ليؤكد ان الطفلة تعرضت للاغتصاب ولكن التقرير الثاني الذي اجري بمستشفى شارل نيكول أكد أن الطفلة لم تتعرض للاغتصاب فأجابنا أن الأعضاء التناسلية تختلف من أنثى الى أخرى ويجب إجراء فحص دقيق وأخذ عينات من الـADN وربما الخطأ في نتيجة التقرير الأول الذي أجري على «طفلة قبلاط «كان ناتجا عن قلة الخبرة».
وأشار الدكتور حمدون الى أنه يمكن التعرف على تاريخ تعرض الضحية للاغتصاب ولكن الخطر الكبير للاعتداءات الجنسية هي مرحلة ما بعد الاغتصاب والآثار النفسية السيئة التي تخلفها هذه الاعتداءات.
تأخر نتائج التقارير الطبية..
تمثل مسألة تأخر نتائج التقارير على غرار التقرير المتعلق بوفاة 14 رضيعا بمركز التوليد وطب الرضيع بمستشفى الرابطة معضلة حقيقية باعتبار أن نتيجة التقرير الطبي هي ورقة مهمة من الملفات القضائية وقد تحدثنا الى الدكتور حمدون عن معضلة تاخر نتائج التقارير الطبية فأجابنا أن نتيجة التشريح قد تسلم في نفس اليوم الذي يتم فيه تشريح الجثة ولكن التأخير يكون بسبب أخذ عينات من الجثة وإرسالها الى التحليل لمعرفة اذا كانت هناك مواد سمية بدم الضحية.
وأشار الدكتور حمدون الى أن أقصى فترة تستغرقها نتيجة التشريح الطبي شهرين ويرسل تقرير الطبيب الشرعي الى الشرطة ووكيل الجمهورية.
الانتحار يتضاعف..
ارتفعت نسبة الجرائم خلال السنوات الأخيرة وفق الدكتور حمدون خاصة جرائم القتل والاعتداءات الجنسية بسبب تفشي المخدرات في حين ارتفعت حالات الانتحار الضعف مقارنة بالسنوات التي سبقت الثورة وخاصة في صفوف الأطفال.
عملية التشريح..
يعمل 8 أطباء فقط بقسم الطب الشرعي بمستشفى شارل نيكول وتتسع غرفة الأموات الى 50 جثة وفق ما أفادنا به الدكتور منصف حمدون يتم تسليم كل جثة بعد تشريحها الى عائلة المتوفي ولكن هناك 10 جثث مجهولة الهوية ظلت في غرفة الأموات منذ أشهر لأنه لم يتم التعرف على عائلات أصحابها وتظل الجثث مجهولة الهوية مدة ستة أشهر أو سنة وبعدها يتم إخراجها بإذن قضائي ودفنها من طرف البلدية بإذن قضائي أيضا.
وعن عملية التشريح أفادنا بأن الطبيب الشرعي يفحص الجثة من الخارج لمعاينة اثار العنف او الكدمات أو الجروح الخارجية ثم من الداخل حيث يتم فتح الجثة وتحديد الإصابات أوالطعنات واتجاه الطعنة والآلة التي استعملت في الجريمة كما يتم فحص كل عضو في الجسد لمعرفة سبب الوفاة ولكن كلما تعفنت الجثة كلما تراجعت فرصة العثور على أدلة وأفضل نتيجة للتشريح تكون بعد الوفاة مباشرة.
وأما إذا كانت الجثة متفحمة فإن التشريح يتم عن طريق العظم.
وتحدث الدكتور حمدون عن حالة وفاة شخص عثر على جثته متفحمة واتضح بعد التشريح أنه تعرض للخنق لأن هناك عظم رقيق جدا بجهة الرقبة يتم فحصه وهو الذي يكشف الموت الناتج عن الخنق.
وقال محدثنا إن هذا الاختصاص أصبح يجتذب الإناث أكثر من الذكور مشيرا الى أن لديه طبيبا فقط وست طبيبات متربصات في هذا الاختصاص.
380 جثة تشرح سنويا بمستشفى الطاهر المعموري
خالد بشير رئيس قسم الطب الشرعي بمستشفى الطاهر المعموري بنابل حدثنا عن سبب تأخر نتائج التقارير الطبية وأرجعه الى سببين السبب الأول وهو خارج عن نطاق قسم الطب الشرعي موضحا أن الطبيب الشرعي يقوم بعملية التشريح ويضطر في أغلب الأحيان الى أخذ أعضاء من جثة الضحية ويرسلها الى مخابر التحليل وتسمى هذه العملية فحوص تكميلية يتم فيها اجراء تحاليل حول السموميات وتحاليل مجهرية عن تلك الأعضاء وهذه التحاليل يتسلم نتائجها الطبيب الشرعي ويضعها على ذمة باحث البداية الذي ي يأذن بدوره بإجراء تسخير لخبير سموم وخبير في الأنسجة ويأخذ العينات الى المخابر وفي أخذ هذه العينات هناك تعطيل من حيث وسائل التنقل وعدم توفر عدد كافي من المخابر المختصة في السموميات والأنسجة.
مثلا مخابر السموميات هناك ثلاثة مخابر فقط في كامل البلاد بمستشفى فطومة برقيبة بالمنستير وفي مستشفى فرحات حشاد بسوسة وفي مونفلوري بالعاصمة وهذه المخابر الثلاثة تجرى فيها جميع الوضعيات التي ترد على أقسام الطب الشرعي المتعلقة بالأحياء والأموات والأشخاص الذين يتناولون أدوية أو مواد سمية عن طريق الخطأ وحالات الانتحار.
وعن المدة التي تستغرقها نتيجة الطب الشرعي أفادنا الدكتور خالد بشير أن هناك تقارير تجهز نتائجها بين يوم وأسبوع وأخرى تستغرق 6 أشهر.
وأما الإشكال الثاني الذي تحدث عنه الدكتور خالد بشير فيتعلق بنقص في الموارد البشرية فقسم الطب الشرعي بنابل منذ تسعة أشهر يعمل دون كاتبة.
وأما عدد الجثث التي يستقبلها القسم المذكور فهي في حدود 380 جثة سنويا أغلب أصحابها توفوا نتيجة حوادث مرور موضحا أن هذا القسم يعاني من نقص فادح في العملة والإطارات شبه الطبية مما يضطر الأطباء الشرعيين الى كتابة نتائج التقارير بأنفسهم.
وأما بالنسبة للجثث فيتم ايداعها بقسم الطب الشرعي بإذن قضائي ويتم تشريحها خلال 24 ساعة ويتم إخراجها وتسليمها لعائلة الضحية بإذن قضائي.
وكد الدكتور بشير على أنه من المستحسن أن تتم عملية التشريح بعد الوفاة بوقت قصير لضمان كشف الأدلة لان سبب الوفاة لا يتم إثباته بالعين المجردة كما أن التحلل الجيفي للجثة يصعب على الطبيب الشرعي أخذ كل المعطيات والأدلة التي تقود الى حقيقة الوفاة.
وبين أن هناك تفصيلا مهما جدا في عملية التشريح الطبي وهو تنقل الطبيب الشرعي على عين المكان مع ممثل النيابة العمومية ولكن هذه الخطوة لم تأخذ حظها لانها تتطلب إمكانيات كبيرة عدا بعض الحالات المتعلقة بالجرائم الغامضة والشائكة حيث يتنقل الطبيب الشرعي على عين المكان ولكنها لم تدخل في إطار الأعمال العادية لأقسام الطب الشرعي.
كشف جريمة بعد 3 سنوات..
جريمة قتل تم فك «شيفرتها» بعد ثلاث سنوات الضحية شخص قتل ورميت جثته في بئر وظلت هناك ثلاث سنوات وعندما تم التفطن اليها كانت تحللت كثيرا ورغم ذلك تمكن الطب الشرعي بنابل من الكشف عن الأدلة التي تبين أسباب الوفاة وفق ما بينه لنا الدكتور خالد بشير.
مؤكدا على أن الطب الشرعي لا يعمل منعزلا عن فريق متكامل من ضابطة عدلية ونيابة عمومية ومخابر تحاليل والطبيب الشرعي يبدي رأيه في نقاط معينة تتعلق بأسباب الوفاة وتاريخ الوفاة ووجود آثار عنف من عدمه.
عشرات الجثث وآلاف المتضررين بقسم الطب الشرعي بصفاقس
الدكتور سمير معتوق رئيس قسم الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس كان لنا حديث معه حول هذا الموضوع.
وأفادنا أن القسم الذي يترأسه يستقبل سنويا في حدود 700 جثة كما يستقبل حوالي 9 الاف من الأحياء وهم المتضررين في عمليات اعتداء بالعنف وحوادث مرور واعتداءات جنسية.
وبالنسبة لتأخر نتائج التقارير الطبية فقال إنها قد تستغرق أسبوعا أو عشرة أيام والتأخير يكون في أغلب الأحيان بسبب تأخر نتائج التحاليل السمية والمجهرية.
وبسؤالنا له عن تأخر نتائج التقارير في حادثة وفاة 14 رضيعا أجابنا بأن هناك لجنة فنية كلفتها وزارة الصحة وهناك لجنة ادارية كلفتها تفقدية الصحة موضحا أن اللجنة التي كلفتها وزارة الصحة تقوم بعملها لوحدها والقضاء يعمل لوحده كما أن عمادة الاطباء بإمكانها أن تقوم ببحث لوحدها هي الاخرى وأما تحديد المسؤولية فهو متفرع على ثلاث جهات فقد تكون على مستوى القضاء أو ادارية تأديبية او على مستوى عمادة الاطباء.
وأوضح لنا الدكتور سمير معتوق أن وزارة الصحة قد تفتح بحثا إداريا وتنتهي الى الاقرار بأن الطبيب لم يرتكب خطأ وعمله من الناحية الادارية صحيح ولكن القضاء قد يرى أنه مذنب وأخطأ في عمله مشيرا الى أنه وحتى الإدانة في القضاء فهناك درجات فأحيانا الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي لا يكونان متطابقين لأن القاضي هو «سيد الخبراء» وبإمكانه أن لا يعتمد نتيجة تقرير الطب الشرعي لأن الخبير الطبي عبارة عن شاهد في القضية ونتيجة التقرير ورقة من ورقات الملف وعنصر من عناصره لأن الملف يتكون من متهمين واستنطاقات وشهود وأداة الجريمة والصور التي التقطتها الكاميرا ويجب ان تكون كل تلك العناصر منسجمة مع بعضها البعض حتى يصل القاضي الى الحقيقة ويصدر حكمه.
وأشار الدكتور معتوق الى أنه قد يختلف خبيران في الطب الشرعي ولا ينتهيان الى نفس النتيجة لأن هناك الواقع وهناك الإستنتاج والتقرير الطبي هو تقرير تقني وإجابة على أسئلة محددة يضعها القاضي ويجيب عنها الطبيب ويظل رأي الطبيب الشرعي تقني يستنير به القاضي.
ويتضمن تقرير التشريح عدة أراء من بینھا دراسة حالة الوفاة واذا كان الضحية توفي نتيجة اصابة (وتسمى أيضا آلیة الموت)، مثل إصابته بطلق ناري في الرأس او نزيف بسبب طعنة اوالخنق برباط أو تضرر عضلة القلب الناتج عن مرض الشريان التاجي و»حالة الوفاة»، والظروف المحیطة بسبب الوفاة، والتي في معظم الحالات القضائیة تكون بسبب القتل أو حادث سیر أو وفاة طبیعیة أو انتحار.
وأشار الدكتور سمير معتوق الى أن قسم الطب الشرعي بصفاقس يعاني من نقص في الامكانيات المادية والموارد البشرية كغيره من اقسام الطب الشرعي بالبلاد ونقص في الاطارات شبه الطبية والعملة.
وللاشارة فإن 3280 جثة يتم تشريحها سنويا في ثلاثة أقسام للطب الشرعي (شارل نيكول والطاهر المعموري بنابل والحبيب بورقيبة بصفاقس.
المصدر جريدة الصباح