أحداث عامة أخبار متفرقات

تُغذيه الأزمة الاقتصادية محلياً ودولياً: الفقر في تونس.. الوباء الصامت

يقدر عدد التونسيين الذين يعانون الخصاصة/الفقر في تونس بحوالي 4 ملايين، حسب تصريح لوزير الشؤون الاجتماعية التونسي مالك الزاهي. رقم قابل للارتفاع بالرجوع إلى مؤشرات النمو الاقتصادي المتدنية وتوالي الأزمات الداخلية والخارجية. حيث تواصل على مدى عقود الاشتغال وفق منوال اقتصادي تقليدي لا يخلق الثروة، غير قابل للصمود كثيرًا أمام المتغيرات التي يعرفها العالم من خلال اعتماده المباشر على السوق الدولية في قطاعين استراتيجيين هما الغذاء والطاقة.

يرجح مدير قسم الدراسات بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الجليل البدوي في تصريح لـ”ألترا صوت تونس” أن يرتفع عدد الفقراء في تونس لأن الطبقة الوسطى لا فقط تفككت، لكن الفئة السفلى منها أو ما يعبر عنها بقاعدة الهرم تقترب شيئًا فشيئًا من خط الفقر ويعود ذلك إلى تراجع  الملاءمة بين الدخل الفردي والأسعار، هذه الفئة وفق تقدير البدوي هي الأكثر هشاشة لأن الذين يشتغلون منها لا تتوفر لديهم الحماية الاجتماعية وفي كثير من الأحيان هم يعملون دون عقود وهذا الوضع الهش يرميهم بسهولة فريسة للخصاصة، وفق تعبيره.

 

ويقول البدوي إن “الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار المواد الأساسية في الأسواق الدولية مثل الحبوب ومشتقاتها ستؤدي بشريحة كبيرة محسوبة على الطبقة المتوسطة إلى الفقر”، مشيرًا إلى أن الحل في مثل هذه الظروف لن يكون سحريًا فيجب تنفيذ ما يسمى بسياسة إعادة التوزيع وتنشيط التضامن في المجتمع وهو ما يتطلب توزيعًا عادلاً للمداخيل بين الطبقات الثرية والفقيرة غير أن هذا الأمر لا يبدو متاحًا الآن لرغبة كبيرة في الحفاظ على مكاسب فئوية دون الأخذ بعين الاعتبار الظروف التي تمر بها البلاد، وفقه.

وكان المعهد الوطني للإحصاء، الذي يقدم المؤشرات الديمغرافية والاقتصادية منذ تأسيسه في سنة 1969 في تونس، نشر في آخر أرقامه لسنة 2015 أن نسبة الفقر في تونس بلغت 15.2 بالمائة غير أن هذا المعدل متغير من منطقة إلى أخرى حيث تتوزع نسب الفقر حسب الجهات من 2.5 بالمائة إلى 53.3 بالمائة، كما أن الفقر متعدد فهناك الفقر المادي الناتج عن عدم التوازن بين الدخل الفردي والأسعار وهناك الفقر متعدد الأبعاد الذي يتضمن مؤشرات أخرى مثل تردي البنية التحتية وعدم توفر المرافق الأساسية.

ويبدو أن الوضع ذاهب إلى السوء، وفق عبد الجليل البدوي، باعتبار أن “السلطة في تونس لم تستفد من دروس الأزمات السابقة” وأهم درس، حسب تقديره، هو الحفاظ على حد أدنى من الاستقلالية الذاتية في قطاعي الطاقة والغذاء، ففي مجال الطاقة اقتصرت تونس على الحلول الظرفية وهو ما قد يوصلنا إلى عجز بـ 85 بالمائة في  حدود عام 2050.

أما فيما يخص العجز الغذائي، فيقول البدوي إن تونس التي عرفت تاريخيًا بـ”مطمور روما” أصبحت اليوم تورد نسبة كبيرة من الحبوب والأعلاف من الخارج رغم أن الفلاحة هي القطاع الوحيد الذي صمد أثناء جائحة كورونا، مشيراً إلى ضرورة تغيير مفهومنا للأمن الغذائي من المنطق التجاري البحت الذي يوازن بين التصدير والتوريد إلى السيادة الغذائية.

  • نسبة الفقر مرجحة للارتفاع 

ويقول الخبير في التنمية المحلية رياض بشير العباسي لـ”الترا صوت تونس” إن نسبة الفقر مرجحة للارتفاع ذلك أن الأرقام المعلنة من المعهد الوطني للإحصاء تعود إلى سنة 2015 وكان من المرجح نشر الإحصائيات خلال الفترة الحالية، ويعود ذلك حسب تقديره إلى تأثير الخيارات السياسية والاقتصادية ومخلفات  جائحة كورونا والمتغيرات الخارجية مثل الحرب في ليبيا التي أثرت سلبًا على المناطق الحدودية الجنوبية. كما أن التفاوت مستمر في الاتساع بين الجهات وخاصة في المناطق الغربية والجنوب وحتى داخل المحافظات.

ويقول العباسي إن الفقر متعدد الأبعاد مرتبط مباشرة بمؤشرات التنمية المحلية، ذلك أن المناطق الأكثر فقرًا هي التي تعاني من ضعف في مؤشرات التنمية المحلية معتبرًا أن السياسات الاقتصادية المتبعة في تونس تساهم في خلق الفقر متعدد الأبعاد وفي استمراره عبر الزمن ففي غياب حضور لافت للدولة في المناطق الداخلية لن تحدث تنمية وبالتالي لن تكون هناك ثروة يتقاسمها المواطنون ومن ثمة السقوط في براثن الفقر والنزوح والجريمة ، مشيرًا إلى أن الحل معروف لدى الجميع وهو تغيير منوال التنمية بهدف التقليص من توسع بؤر الفقر والخصاصة.

ويؤكد العباسي أن السنوات الأخيرة عرفت انتقال جزء من الطبقة الوسطى التي تمثل العمود الفقري للتوازن الاجتماعي إلى الطبقة الفقيرة بسبب تراجع  كبير في  القدرة الشرائية الذي خلف ارتفاعاً في أرقام الدين العائلي والتجاء البعض إلى العمل الثاني حتى يوفر المال، ومن المرتقب أن تتراجع نسبة الطبقة الوسطى التي حافظت على تماسكها على مدى عقود وفق بيانات سنتي 1994 و2015 والتي يتراوح معدلها بين 65 بالمائة و70 بالمائة من عدد السكان، إلى حدود 55 بالمائة بسبب تردي نسب النمو والارتفاع المشط لتكلفة الحياة وغياب التنمية المحلية.

وخلصت دراسة أعدها المعهد الوطني للاستهلاك في تونس إلى أن ثلثي العائلات التونسية لا يمكنها الاستغناء عن القروض البنكية والتداين بجميع أصنافه، وترجع الدراسة ذلك وفق بحث ميداني إلى ضعف القدرة الشرائية ومحاولة تحسين ظروف العيش. كما أنهت تونس سنة 2021 بارتفاع في نسبة التضخم لتبلغ 6.6 بالمائة وهي أعلى نسبة في كامل السنة الماضية.

 

محمد بشير البلطي https://ultratunisia.ultrasawt.com/