أحداث عامة

بعد الاتفاق بين الحكومة والاتحاد: 2 مليار دينار إضافية في كتلة أجور الموظفين وتوسع عجز المنشآت العمومية

بعد الاتفاق الأخير بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة حول الزيادة في أجور الإطارات وأعوان التسيير والتنفيذ بالقطاع العمومي بقيمة تتراوح في ما بين  180 و270 دينارا على المرتب الخام على 3 سنوات ابتداء بسنة 2018، تباينت الآراء والمواقف بين المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي بشان تداعيات هذا الاتفاق بعد تفعيله على التوازنات المالية للبلاد وأهمها ارتفاع دعم الدولة للمنشات العمومية وتأثيره المباشر على الموازنة العامة في ظل تواصل توسع عجزها.

وفي الوقت الذي ترى فيه المنظمة الشغيلة هذا الاتفاق بانه تعهد جديد من الدولة بعدم المساس بالمنشات العمومية وبموظفيها، تعتبره الحكومة خلاصا من أزمة جديدة قد تحل بالبلاد على اثر تنفيذ الاتحاد للإضراب العام في القطاع العمومي الذي كان مقررا في الرابع والعشرين من الشهر الجاري.
لكن، يبدو ان المواقف التي تبناها  الطرفان غيبت الجانب الاقتصادي وما سيحل بالتوازنات المالية للبلاد بمجرد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، حيث ان التفكير في الزيادات في أجور موظفي القطاع العام لا يمكن الا ان يعمق من أزمة  المنشات العمومية التي تعاني من عجز متواصل لا سيما ان الاتفاق يؤكد على إبقائها على حالها وعدم المساس بها وهو ما سيعطل عمليات إصلاحها وإعادة هيكلتها وبالتالي ارتفاع دعم الدولة لها في ميزانياتها العمومية في السنوات القادمة.
كما ان هذا الاتفاق سيجرنا بصفة الية الى اتفاق مشابه في الوظيفة العمومية بعد إصدار الاتحاد في الأيام القليلة القادمة لبرقية إضراب ثانية في هذا القطاع المقرر تنفيذه يوم 22 نوفمبر 2018، داعيا من خلاله الحكومة الى انتهاج نفس الإرادة التي تبنتها في اتفاق القطاع العام، وفي هذه الحالة من المتوقع ان تشكل هذه الزيادات ازمة جديدة في كتلة الأجور التي وصلت اليوم الى 16.5 مليون دينار أي ما يعادل الـ14.1 بالمائة من الناتج الداخلي الخام حسب قانون المالية لسنة 2019.
كما من المنتظر ان تسجل هذه الزيادات كلفة تقدر بـ2 مليار دينار في كتلة الأجور في الوظيفة العمومية مما سينعكس على تعهدات الحكومة التي قطعتها مع المؤسسات المالية المانحة والتي على رأسها صندوق النقد الدولي في ما يخص الاقتراض الذي يعد ضرورة لتعبئة موارد إضافية لخزينة الدولة ولتغطية العجز الحاصل بميزانيتها العمومية.
فاليوم، تعد مسالة التحكم في كتلة الأجور من أهم النقاط التي طالب بها صندوق النقد الدولي في إطار حزمة الإصلاحات التي تعهدت بلادنا بتنفيذها مقابل حصولها على قروض وتمويلات جديدة، مؤكدا على ضرورة الوصول بها الى نسبة 12 بالمائة من الناتج الداخلي الخام بحلول سنة 2020 باعتبارها تعد من ارفع النسب في العالم.
وعرف حجم الأجور لأعوان الوظيفة العمومية تطورا هاما في السنوات التي تلت ثورة 14 جانفي، حيث ارتفع من 7680 مليون دينار  سنة 2011، ليصل إلى 13700 مليون دينار سنة 2017، بحسب دراسة حديثة أعدها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية.
وتضاعف بذلك عدد العاملين بالوظيفة العمومية حسب هذه الدراسة 16 مرة، منذ الاستقلال إلى سنة 2017، ليرتفع من حوالي 36 ألفا سنة 1956 إلى أكثر من 690 ألف موظف، والمشكل أن بلادنا تواصل الانتدابات بالوظيفة العمومية من ذلك خلق شركات عمومية غير منتجة وانتداب الآلاف قصد الحد من نزيف الاحتجاجات ببعض الجهات، الشيء الذي رفع في كتلة الأجور لتستحوذ على أكثر من 40 بالمائة من حجم الميزانية العمومية للدولة.
كما تسجل تونس أرقاما قياسية من حيث عدد الموظفين العموميين الذين وصلوا الى حوالي 800 ألف موظف من ذلك 640 ألف موظف بالإدارات العمومية و187 الف موظف في المؤسسات العمومية، وهو ما يتطلب حسب المتدخلين في الشان المالي والاقتصادي الى ضرورة إقرار إصلاحات جريئة في قطاع الوظيفة العمومية والتي على رأسها إيقاف الانتدابات العمومية بالإدارات والمؤسسات العمومية وعدم تعويض الموظفين المحالين على التقاعد.
بالإضافة إلى ضرورة الابتعاد عن سد الشغورات في الوظيفة العمومية بانتدابات جديدة، كل هذه الإجراءات من شانها احتواء كتلة الأجور عبر التقليص منها ولو بصفة تدريجية وتكون بذلك الحكومة قد أوفت بتعهداتها مع صندوق النقد الدولي الذي يؤكد مع كل الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة على ضرورة إعادة كتلة الأجور إلى مسارها الصحيح..

المصدر الصباح