أحداث عامة أخبار

ارتفاع الجريمة في تونس: خبراء يبحثون في الأسباب وكيفية المعالجة

قال رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وعالم الاجتماع ووزير الثقافة سابقا  مهدي مبروك خلال الندوة الافتراضية بعنوان” ارتفاع الجريمة في تونس: الأسباب وكيفية المعالجة” التي نظمها مركز دراسة الإسلام والديمقراطية الخميس 22 أكتوبر 2020 إن كل المجتمعات التي تشهد تحولات كبرى شهدت ارتفاعا في منسوب الجريمة على غرار الثورات الفرنسية والبلشفية والإيرانية وحالات انهيار  المجتمعات في دول مثل العراق والصومال واليمن وغيرهم بسبب الحروب.

وأشار مبروك إلى أن تونس لم تشهد بعد انهيار النظام تطورا في جرائم الخطف وهي جرائم تتطور في سياقات سياسية عنيفة موضحا أن تونس شهدت جرائم سياسية واعتداءات إلا أنه لم تشهد ارتفاعا في منسوب هذا النوع من الجريمة .

وأوضح مبروك أن تونس عرفت خلال 10 سنوات من 2010 إلى سنة 2020 أشكالا جديدة من الجرائم وصفها بالجرائم الاجتماعية إلا أنها لم تتخذ منحى تصاعدي مطلق وإنما ظلت ترتفع وتنخفض مما يبين أن الجرائم في المجتمع التونسي لم تبلغ أرقاما قياسية حسب قوله.

وبيّن عالم الاجتماع مهدي مبروك أن الاعتقاد بارتفاع مستوى الجرائم الاجتماعية في تونس مرده التناول الإعلامي لها في سياق حرية الإعلام إضافة إلى الحديث عنها بشكل مكثّف على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال على سبيل المثال أن جرائم الاغتصاب التي بت فيها القضاء بين 2014 و2015 كانت في حدود 72 جريمة وبين 2015 و2016 في حدود 101 جريمة اغتصاب و61 قضية بين 2016و2017 وبين 2017 و2018 حوالي 97 قضية اغتصاب و 102 قضية بين 2018 و2019 معتبرا أن هذه الأرقام ليست بالصاروخية وإنما هي جرائم يهتز لها ضمير المجتمع والضمير الحي.وأكد أن تونس ليست ضمن المراتب الأولى في ترتيب الدول العربية على مستوى نوعية هذه الجرائم.

وتابع عالم الاجتماع مهدي مبروك أنه لو ‘لو تم وضع هذه الجرائم تحت مخبر العلوم الإنسانية والاجتماعية، لوجدناها تشير بشكل واضح إلى السياقات المرضية المعتلّة في تونس خصوصا أنها تأتي في سياق اقتصادي وفر ظروفا ملائمة لانتشار الجريمة وبيئة حاضنة لها.وبين أن أغلب جرائم السرقة والنشل يقوم بها أفراد جاؤوا من أحياء فقيرة في حين أن أبناء الطبقات الميسورة والمرفهة يرتكبون جرائم تحيل اقتصادي.

كيف يمكن مقاومة ظاهرة البناء الفوضوي بعد حادثة هدم الكشك في سبيطلة

وشدد مهدي مبروك على أن السلطة بتفتتها وعجزها على إنفاذ القانون وأن تكون حكما بين الجميع ساهم في تفاقم ظاهرة الجريمة مما كرس أن فكرة القانون والدولة القادرة على تحقيق العادلة لم تعد سائدة في المجتمع.

واعتبر مهدي مبروك أن الدولة واهنة وتضعف نفسها بنفسها بما ترتكبه من أخطاء متسائلا عن كيفية مقاومة ظاهرة البناء الفوضوي بعد حادثة هدم الكشك على كهل بسبيطلة..بمثل هذه الأخطاء الدولة تشجع الناس على تجاوز القانون.

وشدد مبروك على أن المقاربة القانونية بمفردها ستظل عاجزة على مكافحة تطور الجريمة مضيفا بأن  تونس تفوت فرصة لمقاومة الجريمة مؤكدا أن الإصلاح التربوي الرهان عليه كبير من أجل إعادة  الاستئناف على منزلة الإنسان وأهمية أن تكون الدولة راعية وحامية للجميع..الإصلاح التربوي والخطاب الإعلامي بإمكانهما تغيير البيئة من حاضنة إلى بيئة تخفف وتردع كل نزعات وسلوكات تؤدي إلى الاعتداءات على الآخرين.

سامي ابراهم: هشاشة الروابط الأسرية من بين أسباب النزوع إلى الإجرام والإرهاب

الباحث بمركز الدراسات و البحوث الاقتصادية و الاجتماعية سامي ابراهم اعتبر أن النزوع نحو الإجرام في تونس نتاج طبيعي لاضطراب القيم في المجتمع و تراجع دور المراجع القيمية في سياق مجتمعي يشهد تحولات اجتماعية.

وبين براهم أن كل إنسان يحتاج إلى مرجع يشده إلى الحياة ويخلق له توازنا وجدوى ومعنى يشعره بقيمته وغياب هذا المرجع واختلاله يؤدي إلى الفردانية والأنانية حسب قوله.

وأوضح براهم أن هذه المراجع تتمثل أساسا في الأسرة والمدرسة والمسجد والدولة وغيرها من الفضاءات ذات البعد القيمي.

وأفاد في هذا الخصوص بأن الأسرة التونسية أصبحت تعاني العديد من التشوهات والإخلالات الكبرى تجعلها في بعض الأحيان حاضنة للجريمة متحدثا عن عائلات تصنع من أبناءها أشخاصا مشوهين ومضطربين نفسيا ومهيئين ليقعوا استقطابهم للجريمة..العنف داخل الأسرة يكسر شخصية المرجع وهشاشة الروابط الأسرية من بين أسباب النزوع إلى الإجرام.

ويضيف براهم بأن المدرسة تخلت عن دورها القيمي ولم تعد فضاء يقدم مضامينا قيمية تساهم في تنشئة تليمذ متوازن إضافة إلى تخلي الدولة عن دورها القيمي في ظل الحديث عن عدم استقلالية القضاء والفساد في البرلمان والمسجد كذلك الذي لم يعد مرجعا ومثالا للشخصية الملتزمة دينيا خصوصا في ظل تقديم مضامين ضعيفة وخاوية وهي نفسها من الممكن أن تكون سببا في أزمة معرفة .

وشدد ابراهم على ان المجرم هو آخر حلقة في العملية الإجرامية وهو أداة تنفيذ لجريمة المشاركون فيها كثر بما فيها الأسرة..عدم معاجلة الانكسارات المتتالية لدى الفرد سيؤدي بالضرورة إلى نزوعه إلى العنف والإجرام.

الإعلام جعل ‘شورب’ و’أولاد مفيدة’ رموزا

الطبيب النفسي و الباحث في المسائل النفسية والاجتماعية أحمد الأبيض تحدث عن وجود قابلية في الإنسان لأن يكون مجرما مشيرا إلى أن القرآن تطرق إلى هذه المسألة ‘القرآن لم ينف على الإنسان هذه القابلية لسفك الدماء وغيرها من الأعمال ” إضافة إلى مدارس علوم النفس التي تحدثت عن وجود جانبين متضادين ..فرويد تحدث عن الحب والحياة والنزعة التدميرية.

ويضيف الدكتور الأبيض متسائلا ”كيف للإنسان أن يجد التوازن بين الجانبين المتنازعين والمتضادين خصوصا في ظل الأوضاع المتقلبة التي تشهدها تونس”.

وأوضح الباحث في المسائل النفسية أحمد الأبيض أن الشخص الذي تربى على عقلية التذمر مهما كانت أوضاعه جيدة ويظل يركز على ما يفتقده،يغيب قدرته على الاستماع بالحياة  وإذا ضربت قيمة العمل كيف للإنسان أن يكون فاعلا ومؤثرا في واقعه.. تخلي الفرد عن المسؤولية وبحثه عن كبش فداء يتحمل مسؤوليات ما حدث له يدفعه إلى التوتر والنزوع إلى العنف.

الفشل الدراسي أيضا والجلوس مطولا في المقاهي والاكتظاظ في بعض الأحياء وما ينجر عنه من فوضى وعدم الفاعلية في المجتمع والعطائب النفسية والاجتماعية كلها عوامل تؤدي إلى النزوع إلى العنف وارتكاب الجرائم يضيف الدكتور أحمد الأبيض.

كما أن غياب سلطة سلطة الأب ورمزيتها في المنازل وتخلي المدرسة ودورها التربوي وتعرض الطفل إلى العنف في عائلته وغياب الخطاب الديني الوسطي وارتفاع منسوب العنف في الأعمال الدرامية التونسية وانتشار المخدرات في المجتمع والإقبال على الألعاب الالكترونية التي تعتمد في قواعدها على العنف والوصول إلى القتل مدخلا للربح كلها عوامل تظافرت لتغذي منسوب الجريمة في مجتمعنا في الفترة الأخيرة.

” المدرسة تخلت عن دور التربية وتفرغت لمهمة التعليم وإعداد اليد العاملة التي تحتاجها المؤسسات الرأسمالية والإعلام في كثير منه عمل بشكل ممنهج على ضرب القيم على المستوى الثقافي والاعتراض على الجوانب الأخلاقية حتى أصبح ”شورب و”اولاد مفيدة’ رموزا” يضيف الباحث في المسائل النفسية والاجتماعية أحمد الأبيض.

هناك فهم خاطئ لدور الدولة والمجتمع مطالب بالتحرك

ومن جانبه أكّد رئيس مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية رضوان المصمودي، وجود خلل في فهم دور الدولة وتحميلها دائما مسؤولية ومطالبتها بالتحرك والتغيير معتبرا أن هذا الفهم خاطئ لدور الدولة ولدور المجتمع ولدور الفرد مصرحا أن 80 بالمائة من الإصلاح مهمة المجتمع.

وشدد المصمودي على أن الحل بيد المواطنين والمجتمع حتى على مستوى الحي والقرية والمدينة مؤكدا ضرورة القيام بمبادرات مواطنية للشباب والأطفال خصوصا وأن الدولة منكوبة وتمر بأزمة اقتصادية خانقة على حد تعبيره.