الموقع الجغرافي:
تقع مدينة مساكن في منطقة الساحل التونسي أي بالوسط الشرقي بالبلاد التونسية وهي مركز معتمدية تابعة لولاية سوسة. وتنقسم المعتمدية إلى 10عمادات، ولها قرى تابعة لها إداريا هي المسعدين والكنايس وبني كلثوم والبرجين والموردين وبني ربيعة والفرادة.
تقع مساكن جنوب سوسة وتبعد عنها 12 كلم. وهي تبعد عن العاصمة تونس 150 كم وعن صفاقس 110 كم.
تتوسط مساكن شبكة من الطرقات البرية وتمر عبرها الطريق الرئيسية رقم واحد والطريق السيارة والسكة الحديدية وهي قريبة جدا من مطار المنستير وميناء سوسة.
تعد مساكن حوالي 80 ألف ساكن منهم 25 ألف يشتغلون بالخارج وخاصة بفرنسا.
والذهاب إلى الخارج بحثا عن العمل معروف عند السكان لقلة الموارد الكافية لتلبية حاجيات السكان.
تاريخ المدينة:
يرجع تأسيس المدينة إلى العهد الحفصي ومن الأرجح أن تأسيسها قد تم في القرن السابع للهجرة/13م، فهي مدينة إسلامية ناشئة تضخمت في العصر الحديث.
وكانت المدينة تحمل اسم مساكن الأشراف واقتصر الناس على ذكرها باسم مساكن فقط.
تعود أصول أغلب سكان مساكن إلى الأشراف الحسينيين، أي من آل البيت، وتحتفظ عائلات كثيرة بشجرات نسب تبين أصولهم. وحظي السكان منذ القديم باحترام الحكام لهم (الحفصيون والبايات).
انضافت إلى الأشراف الحسينيين مجموعات من سكان القبائل والمدن الشهيرة بالبلاد التونسية. ومن سكان القبائل الوافدين الوسالتية والكرامصة والمثاليث، أما من سكان المدن الوافدين فنذكر أبناء الجم وصفاقس والمكنين وجمال والقيروان وقرقنة (جزيرة) وجربة (جزيرة) وغيرهم.
جمعت بين كل السكان علاقات مصاهرة ونسب، واعتزاز بالانتماء إلى مساكن.
من التاريخ الثقافي للمدينة:
تعرف مساكن بمدينة المساجد. وهي حقيقة تؤكدها المصادر كدفتر المدرسة الحربية بباردو المكتوب سنة 1856. وككتب الرحالة الأوروبيين الذين زاروا المنطقة في القرن 19.
وفي الوقت الحاضر نجد ما لا يقل عن 60 مسجدا وجامعا أولهم الجامع الوسطاني الذي اختطه مؤسسو المدينة منذ القرن السابع للهجرة/13م. ومن الجوامع الـ 60 نجد في الوقت الحاضر 14 جامعا للخطبة.
كما عُرفت المدينة بحب أهلها لتعلم القرآن الكريم، وتعليمه. قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلّمه.). وحبها للقرآن جعلها مشهورة بكثرة حفاظ القرآن فيها ماضيا وحاضرا.
ومن أهل العلم والثقافة بالمدينة:
الشيخ علي بن خُلَيفة (ت1758م) (وهو تلميذ الشيخ علي النوري الصفاقسي، وصاحب مدرسة ومؤلفات). والزاهد الشيخ مَحمد العذاري (ت1865م). والزاهد الشيخ محمد القزاح (ت1905م). والفقيه الشيخ محمد الطاهر رويس (1928-2005م) (صاحب كتاب الفقه الواضح).
ومن أعلام المدينة كذلك، وعرفوا بنشاطهم خارج مساكن: قاضي الجماعة بتونس الشيخ عمر بن قاسم محجوب (ت1807م). ورئيس الإفتاء المالكي سالم محجوب (ت 1826م). وأستاذ الفرائض بجامع الزيتونة، وصاحب كتاب “الغرة في الفرائض”، الشيخ محمد الصادق الشطي (ت1945م) وغيرهم.
ومن المحطات الهامة في خدمة العلوم الشرعية وخاصة منها القرآن الكريم:
-تأسيس مدرسة الشيخ علي بن خليفة منذ سنة 1693م وتواصل وجودها إلى ما بعد الاستقلال. وكانت تعلم التلاميذ إلى جانب 13 مدرسة تعليمية أخرى ينفق عليها أهل البر والإحسان. وألغيت كلها عقب الاستقلال.
-تأسيس المدرسة القرآنية منذ 1929.
-تأسيس الفرع الزيتوني بمساكن منذ سنة 1948.
-تأسيس جمعية المحافظة على القرآن الكريم (فرع مساكن) منذ 1967 بإشراف الشيخ محمد الطاهر رويس. وتنشط هذه الجمعية إلى اليوم، ويؤمها المئات من أبناء هذه المدينة، في حركية قلّ نظيرها في البلاد التونسية في تحفيظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره.
من التاريخ السياسي لمساكن: صمود المساكنية ضد الظلم والطغيان:
• الصمود ضد تعسف البايات:
شاركت مساكن في مواجهة ظلم البايات ولعبت دورا كبيرا في حوادث سنة 1864. وتزعمت مساكن ما عُرف بـ “كتلة مساكن الثائرة” ووقفت ضد الباي ورموزه في المنطقة. وبرز في التحركات القائد العسكري الدهماني البوجي وهو من مساكن، ومعه ولد الماشطة من بنان (المنستير). وتواصلت الحوادث وانتهت بتفرق الثائرين بسبب مواجهتهم لجيش الباي بقيادة أحمد زروق.
وعقب هذه الثورة لسنة 1864 تم إعدام الدهماني البوجي الذي وجهت إليه ولزعماء الحركة تهم الفساد والعصيان والحرابة وكله تؤدي إلى الحكم بالقتل. وأعدم الدهماني البوجي شنقا في باب البحر بسوسة يوم 16 أكتوبر 1864 -على الأرجح- ، وقيل أعدم يوم 7 أكتوبر1864.
كما أعدم العسكري الثائر محمد بن حفصية، وكان من مقربي الدهماني البوجي وأبرز مساعديه. ونُفّذ فيه الإعدام يوم 16 أكتوبر 1864 وقيل يوم 7 أكتوبر 1864.
• المساهمة في التصدي للاستعمار الفرنسي وفي النضال الوطني:
شارك أهالي مساكن في التصدي لتقدم الجيش الفرنسي واعترضوه وهو في طريقه للسيطرة على القيروان قادما من تونس. وحصلت أحداث (معركة واد لاية) في أكتوبر 1881 أوقعت خسائر بشرية للجانبين وأجبرت المستعمر على تغيير طريق سيره نحو القيروان. وتحمل السكان غرامات فرضها المستعمر في جانفي 1882 على أهالي الساحل وتمثلت في دفع 150 ريال عن الفرد الواحد.
كما كان أهالي مساكن سباقين في النضال الوطني ضد المستعمر الفرنسي وشاركوا سريعا في الحزب الحر الدستوري الذي أسسه الشيخ عبد العزيز الثعالبي (الذي زار المدينة مرات)، وبقي أنصار هذا الحزب أوفياء لحزبهم رغم بروز الحزب الجديد وتكاثر أنصاره.
وشارك أهالي مساكن في المقاومة المسلحة وقاموا بعمليات فدائية في عدة مناطق من البلاد التونسية. وقدمت مساكن في الحركة الوطنية جملة من الشهداء ضحوا بأنفسهم في سبيل استقلال البلاد وهم:
-محمد بن محمد بن خليفة موسى: استشهد في مظاهرة 9 أفريل 1938 بتونس. (عمره 28 سنة)
-محمد التومي: استشهد في مظاهرة 9 أفريل 1938 بتونس. (عمره 28 سنة).
-سالم بن يونس الجربي (الشماخي): اتهم بقتل العقيد دوران Durand في مظاهرة 22 جانفي 1952 بسوسة وصدر ضده حكم بالإعدام، ونفذ فيه بالسيجومي يوم 26 ماي 1952.
-علي عطية: خاض مع رفاقه معركة (جبل برقو) بالوسط التونسي طيلة ثلاثة أيام بلياليها وأخيرا وجد بكهف الجبل ميتا عطشا بعد أن نفذ عنه الماء والعتاد خلال سنة 1954.
-فرج بن سيك علي. سجنته فرنسا الاستعمارية في ظروف غير معروفة. وبقي في سجن الاحتلال الفرنسي الموجود بالجزائر والمسمى سجن لمباز إلى أن استشهد سنة 1954. (عمره27 سنة)
-الطيب بن فرج بن أحمد العتروس. شهيد الحركة الوطنية. أصيل قرية الكنايس. فر من تشكيلات حرس الباي والتحق بالمقاومة المسلحة إثر ثورة سنة 1952. واستشهد في 14 نوفمبر 1954 ببرج الماء بجبل برقو أثناء معركة دامت يومين. (عمره 21 سنة)
-محمد بن علي القلال: ولد سنة1910 بمساكن واستشهد في 5 سبتمبر1954 بالبرجين أثناء الاشتباك مع الجندرمة. (عمره 24 سنة)
-عبد الكريم قمحة: مناضل وطني كبير. مدرّس بجامع الزيتونة، ناضل في صفوف الحزب الحر الدستوري (القديم) وصوت الطالب الزيتوني. رفض اتفاقيات الاستقلال الداخلي في اجتماعين مهيبين بسوسة. قتل بمعصرة بمساكن في رمضان من سنة 1955. (عمره 31 سنة)
-أحمد الرقيق: استشهد في حوادث بنزرت ضد القوات الفرنسية سنة 1961. (عمره 25سنة)
-علي علية: علي بن العدل محمد الأحمر علية. استشهد تحت القصف الفرنسي لمدينة بنزرت سنة 1961.
-المنجي الزريبي: استشهد تحت القصف الفرنسي لمدينة بنزرت سنة 1961. (عمره 21 سنة)
-محمد بن عبد الله: استشهد تحت القصف الفرنسي لمدينة بنزرت سنة 1961. (عمره 27 سنة).
• رفض الظلم في دولة الاستقلال:
كان أهالي مساكن سباقين في رفض تجربة التعاضد التي سلبتهم حريتهم وافتكت منهم أملاكهم وحصلت مظاهرة يوم 15 ديسمبر 1964 (أي بعد قرن من مساهمتهم في ثورة 1864) وأوقعت المظاهرة مجموعة كبيرة في السجن جلهم من المتدينين، أبرزهم الشيخ محمد موة، والشيخ صالح البهلول.
وانخرطت منذ السبعينات نخبة خيرة من شباب مساكن في الجانب الدعوي للحفاظ على الهوية العربية الإسلامية، وعقدت جملة من الدروس والاجتماعات في الجوامع والمحلات الخاصة. وكانت هذه النخبة الخيرة هي السباقة التي انخرطت في حركة الاتجاه الإسلامي ثم في حركة النهضة.
وتعرضت جماعة “الاتجاه الإسلامي”، إلى التعسف الشديد من النظام وأبرز محطات التعسف والظلم هي:
– اعتقالات سنة 1981: وقد شملت بالخصوص الأخ نور الدين ربوش من مساكن
– اعتقالات صائفة 1987 خاصة منها التي عقبت تفجيرات النزل بسوسة والمنستير والتي ألصقت بالإسلاميين.
– مضايقات بعد الانتخابات التشريعية لسنة 1989: وحصلت المضايقات بعد النجاح (غير المعلن) لقائمة سوسة المدعومة من “حركة النهضة” والتي كانت برئاسة الشاب الدكتور جلال الدين رويس. ومن المضايقات عزل 5 أئمة خطبة دفعة واحدة ومنهم الشيخ محمد الطاهر رويس (والد رئيس القائمة) والشيخ محمد الصادق رويس (عم رئيس القائمة) ومصطفى بوهلال (أحد أعضاء القائمة). ومن المضايقات كذلك عدم استخراج جوازات سفر وعدم إعطاء رخص عمل والانتداب في الوظائف العمومية لكل داعمي القائمة الانتخابية.
– اعتقالات في صفوف “حركة النهضة” ومناصريها شملت الكثيرين منهم منذ سنة 1991 عقبتها محاكمات ظالمة وأحكام قاسية بالسجن، وتهجير قسري لأعداد هامة من أبنائها في بلدان شتى من العالم.
– الاعتداء رميا برصاص أحد القناصة على الطالب الإسلامي صلاح الدين بن علي باباي في 15 جانفي 1991 واستشهاده: وذلك بالحرم الجامعي بصفاقس أثناء تحركات طلابية كان يقودها على خلفية غزو العراق.
• المساهمة في ثورة 14 جانفي 2011:
ساهمت مساكن كغيرها من مناطق البلاد التونسية في ثورة 14 جانفي 2011 وتحرك الأهالي للتعبير عن رفضها لدكتاتورية أضرت بالبلاد والعباد. وقدمت المدينة ضحايا منهم:
– محمد الهادي بن الحبيب العمروني، (ولد يوم 17 جوان 1985) قتل يوم الجمعة 14 جانفي 2011 في الساحة الكبرى بالحي التجاري برصاص الأمن.
– ياسين بوقديدة، قتل يوم الأحد 16 جانفي 2011 في حوادث سجن المسعدين.
– رؤوف فحيمة، قتل يوم الاثنين 17 جانفي 2011 في حادثة مع الجيش.
– محمد براهم، وقد أصيب بإصابات بليغة برصاص الأمن يوم 14 جانفي 2011 بمساكن.
• مساندة قضايا التحرر:
وقف سكان المدينة دوما إلى جانب الفلسطينيين –ولا يزالون-، وسجل التاريخ ذهاب أعداد من المتطوعين إلى فلسطين للمشاركة في حرب سنة 1948 ضد الكيان الصهيوني. كما وقفت المدينة مع حركات التحرر في الجزائر، فتطوع الناس للجهاد في الجزائر ضد المستعمر الفرنسي. وجمع الأهالي معونات كثيرة للمجاهدين الجزائريين أثناء كفاحهم.
وقدم السكان دعما كبيرا للاجئين الوافدين على تونس من ليبيا بعد انطلاق ثورتها خلال هذه السنة 2011.
طموحات مساكن:
-إحداث نواة جامعية على غرار سائر المعتمديات بالبلاد التونسية.
-إحداث مستشفى جامعي يلبي حاجيات السكان الصحية ويساهم في التكوين اللازم لطلبة الاختصاص.
-إحداث مركز ثقافي تعليمي (مؤسسات تعليم ومكتبة) يعطي أهمية للعلوم الإسلامية وذلك للطابع الديني المميز لهذه المدينة.
-ربط مساكن بغيرها من مناطق الساحل (سوسة والمنستير…) ومناطق الداخل (القيروان والقصرين) بشبكة حديدية (مترو ونقل حديدي) لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق الترابط والتكامل بين مختلف مناطق البلاد. علما وأن السكة موجودة في بعض أماكن الجهة لكنها غير مترابطة الأجزاء ومنها المعطلة مثل خط القيروان وسوسة.
-إحداث منطقة صناعية بالمدينة، تسهل على المهاجرين المساكنية (وعددهم بالآلاف) استثمار أموالهم وتحقيق المرابيح. وتستفيد من ذلك المنطقة بأسرها بتوفير مواطن الشغل وتحقيق حركية اجتماعية.
الخلاصة:
مساكن مدينة الأشراف، والمساجد، والكد والجد.