نفق أرضي يربط بين مختلف الأربطة العسكرية في سوسة والمنستير والمهدية، حكاية سمعناها ونحن أطفال، وأكدها لنا الأجداد كلما تم الحديث عن رباط المنستير أو رباط سوسة أو رباط المهدية.
كنا نتشوق إلى معرفة المزيد عن هذا النفق السري، بل كنا نحلم ونحن أطفال ويافعون أن نعبره للوصول إلى المدينة الأخرى.
الباحث في التاريخ محمّد عليّ الخرشي نفى طبعا وجود هذا النفق، معتبرا أن الامر لا يعدو أن يكون ” مجرد أسطورة شعبية”، ولكن هذه الاسطورة حفزتنا إلى مزيد التعرف على الاربطة، ودفعتنا إلى زيارة هذه المعالم الاثرية الجميلة، وكان الانطلاق من رباط سوسة.
تجد نفسك واقفا أمام بوابة رباط سوسة، وتختلط أحاسيسك بين الانبهار والسكينة لجمالية عمارة تلك البوابة الشاهقة المتناسقة القائمة على عمودين منحوتين بأشكال مختلفة تعلوها تيجان منقوشة بدقة متناهية لنماذج من النباتات.
وسرعان ما تتفحص بأعينك منارة الرباط وحيطانه الخارجية، وستسرع الخطى لعبور بوابة الرباط، فتجد نفسك في مدخل مسقف ينتهي على يمينك بمدارج صغيرة، تصعدها فتوصلك إلى الطابق العلوي ومنه تتجه نحو منارة الرباط.
بعد صعود بعض المدارج الضيقة، تصل إلى أعلى المنارة، وتنبهر حينذاك بروعة وجمال مدينة سوسة، وتشعر بنوع من السكينة والهدوء، خصوصا مع رؤية عرض البحر وميناء سوسة التجاري.
مشهد فسحة الرباط وأنت تنظر إليه بتمعن من تلك المنارة، يثير في نفسك الفضول لمعرفة منظومة تجميع المياه في هذا الرباط، ودلالة تلك المنافذ الصغيرة والمستطيلة الشكل، فتترسخ لديك قناعة بأنّ هذه العمارة تخفي أسرارا قد تكون حمّالة لمفاتيح تجنح بخيالك نحو، كما جنحت بخيال أجدادك نحو مدخل النفق الأسطوري.
الباحث محمّد عليّ الخرشي، أوضح أنّ الفتحة البارزة أرضا وسط فسحة الرباط، والتي سُدت، هي فتحة ماجل كانت تجمع فيه المياه، كما بين أنّ الغرف الصغيرة المتعددة كانت تستعمل لأغراض عدّة كخزن المؤونة والنوم.
ويكشف لنا هذا الباحث المزيد من أسرار رباط سوسة عندما يوضح لنا بأنّ رباط سوسة وقع التخلي عنه كمؤسسة دفاعية، ولم يتم تطوير استعمال الأسلحة فيه باعتبار أنّ موقعه ابتعد عن البحر مقارنة برباط المنستير.
وعند اكتشاف البارود ودخول الأسلحة النارية إلى تونس سنة 1575، تم استعمال المدافع، وبالتالي وقع تغيير فتحات الرباط بالمنستير، في حين لم يجري أي تغيير على رباط سوسة الذي حافظ على استعمال النبال فحسب كطريقة للدفاع، حسب محمّد عليّ الخرشي.
وفي العهد الوسيط، انتشرت سلسلة من الأربطة على امتداد السواحل التونسية، وكانت تتواصل في ما بينها بمنظومة إشعار باستعمال النار أو الدخان وغيرها، ولا يعرف العدد المحدد لهذه الأربطة، فآخر رباط اكتشف هو رباط العالية بولاية المهدية، وفق ما بينه نفس الباحث.
المصدر وات