تشهد ظاهرة العزوف عن الزواج في تونس، انتشارًا لافتًا، وسط تقديرات تفيد بارتفاع عدد العازبات في البلاد إلى أكثر من مليون و 300 ألف امرأة من أصل أربعة ملايين و 900 ألف أنثى في البلاد. وأجرت عديد المنظمات و الهيات المتخصصة في الشان الاجتماعي و السكاني استطلاعات مختلفة شملت عددًا من الشبان والشابات، و خبراء اجتماعيين، حول أسباب عزوف الشباب عن الزواج، باعتبار ان الأرقام أصبحت تثير موجة من القلق.
وأرجع بعض الخبراء، ظاهرة العزوف عن الزواج إلى ضعف الإمكانيات المادية وتدهور القدرة الشرائية، في ظلّ ارتفاع تكاليف الزواج التي تتجاوز 7 آلاف دينار كحد أدنى. في حين اعتبر عدد اخر منهم أن غياب الالتزام بالقواعد الأسرية والضوابط الاجتماعية، يعد أحد أهم الأسباب التي جعلت الشباب التونسي، يرفض الزواج. كما أن الزواج لم يعد ضمن أولويات الشاب أو الشابة في تونس، رغم أن فكرة الرغبة في بناء أسرة لا تزال قائمة.
تونس تحتل المركز الرابع دوليا في تأخر سن الزواج و العامل المادي للظاهرة هو الأهم في جانب آخر، أبرزت دراسة بحثية تم انجازها مؤخرا من قبل معهد الاحصاء الكمي ان تأخر سن الزواج قد اصبح من الظواهر الاجتماعية التي تفاقمت بصفة ملحوظة في البلاد باعتبار ان تونس تحتل المرتبة الرابعة عالميا، على هذا المستوى، مع التأكيد على ان الظاهرة تشمل الجنسين غير ان عدد العازبات يتجاوز مليونا و300 ألف امرأة من اصل 4 ملايين و900 ألف أنثى وهو رقم يعكس التغيرات الملحوظة التي طرأت على المجتمع.
و ارجعت الدراسة هذه الوضعية الى تضافر عدة عوامل ابرزها العامل المادي الذي يعتبر العامل الأهم باعتبار ارتفاع تكاليف الزواج و التي تصل في المتوسط الى نحو 7-10 الاف دينار وفق التقييمات الاحصائية مما يرجع اساسا الى تمسك عديد العائلات بالعادات والتقاليد المكلفة التي لم تواكب نسق الحياة العصرية الأمر الذي جعل الزواج خاصة بالنسبة الى الرجال مسألة تحتاج الى استعدادات مالية مهمة. هذا و أوضح العمل البحثي انه و بالنظر لمستوى المقدرة الاستهلاكية المرجحة بضارب المداخيل و الرواتب فان تكاليف الزواج في تونس تتجاوز نفس التكاليف بثلاثة اضعاف في اوروبا.
و جرى التطرق، في ذات السياق، الى عوامل اخرى وصفت بالفرعية و ذلك على غرار استكمال الفتاة التونسية لكل مراحل الدراسة ورغبتها في تحقيق استقلالها الاقتصادي وبالتالي تغير العقلية التقليدية للمرأة التونسية من الطموح في الزواج الى تحقيق ذاتها واستقلاليتها المالية.
و دفع هذا الأمر بالكثيرين الى العزوف عن الزواج او تأخير هذا القرار نظرا لمتطلباته ليصبح معدل الزواج بالنسبة الى الفتاة 29.4 سنة والرجل 36.2 سنة واعتبارا لطبيعة المجتمع التونسي الذي يمثل جزءا من المجتمعات العربية ذات الفكر التقليدي، فان تأخر سن الزواج يبقى غير محبذ اجتماعيا هذا بالإضافة الى تأثيرات المسالة على الخصوبة و الصحة الإنجابية.
كما وقع التركيز من ناحية سوسيولوجية صرفة على تميز طبيعة المجتمع بارتكازها على الفرد الذي يحقق ذاته من خلال الدراسة ثم العمل ذلك أن تمديد فترة الدراسة لمراحل عليا ثم ايجاد الشغل من الامور التي تتطلب وقتا الأمر الذي يؤدي الى تأجيل مشروع الزواج بعد تحقيق الاستقرار الاقتصادي خاصة في ظل تفشي ظاهرة البطالة الى جانب أن الفتاة التونسية أصبحت تستكمل دراستها ثم تعمل لتفكر بعد ذلك في الزواج وفي العادة يتم هذا الأمر في سن التاسعة والعشرين أو الثلاثين.
و جرت الاشارة في ذات السياق الى ان 22% من الأزواج اتصلوا بعيادات الإنجاب لمعرفة سبب تأخر الحمل في ظل معدل زواج للفتاة يتراوح بين 30 و35 سنة وهي السن التي تتراجع فيها نسبة الخصوبة مع تزايد امكانية إنجاب طفل حامل للإعاقة بما يعتبر من التداعيات السلبية لتأخر سن الزواج في تونس.
هذا و اوضح الديوان أن تأخر سن الزواج في تونس يشمل الرجال أيضاً، حيث أظهر أن نسبة التونسيين غير المتزوجين، والذين تراوح أعمارهم بين 25 و29 عاماً، ارتفعت من 71% خلال عام 1994، إلى نسبة 81.1% في نهاية العام الماضي مؤكدا بلوغ نسبة العنوسة لسنة 2016 حوالي 60% بعد أن كانت النسبة أقل بكثير في السنوات الماضية، و ارجع ازدياد نسبة تاخر الزواج لدى الاناث إلى أسباب عدة أبرزها، ارتفاع تكاليف الزواج الناتجة عن العادات والتقاليد التي تثقل كاهل الشاب وتجعله يتهرب من المسؤولية لما يرى فيه من صعوبات مادية هو غير قادر عليها.
و في ظل هذه المشاكل الاجتماعية والاقتصادية تحتل تونس المرتبة الرابعة عربيا من حيث نسبة العنوسة وتأخر سن الزواج، مما قد يخلق حسب التقرير ارتباكا كبيرا في المجتمع التونسي إذا لم توجد حلول لمقاومة هذه الظاهرة.
المصدر : الاخبارية التونسية