مازال موضوع التثقيف الجنسي أو التربية الجنسية في تونس، يطرح حرجا كبيرا خلال التطرق إلى مختلف جوانبه، وذلك لاعتباره موضوعا لا يحتاج إلى دراية أو معرفة، خاصة في أوساط الشباب، هذه الفئة التي قد تلجأ إلى أساليب عدة للإطلاع على خفايا هذا ”التثقيف الجنسي”، بعيدا عن المصطلحات العلمية الصحيحة والتربية السليمة.
ولأن التثقيف الجنسي الشامل والتربية الإنجابية، يكتسيان أهمية بالغة خاصة في المجتمع التونسي، فإنه من الضروري تناوله من عديد الجوانبه وبالاستناد إلى مختلف المقاربات، القانونية منها والطبية والاجتماعية والنفسية وكذلك الدينية، حتى يتمكن الشاب من اكتساب معرفة شاملة قائمة على ركائز صحيحية تؤسس لحياة جنسية وإنجابية بعيدة عن كل المخاطر والأوبئة، كالحمل غير المرغوب فيه أو الأمراض المنقولة جنسيا، أو الاغتصاب، وغيرها من الظواهر الاجتماعية.
وفي هذا الإطار نظمت الجمعية التونسية للصحة الإنجابية دورة تكوينية لفائدة الإعلاميين حول التثقيف الجنسي الشامل، مستندة في ذلك إلى دراسات وأراء خبراء صحيين ومختصين في الاضطرابات الجنسية والصحة الإنجابية، ورجالات دين.
وتندرج الحقوق الجنسية والإنجابية ضمن حقوق الإنسان، حيث تم اختزالها في 12 حقا، منها الحق في تكوين أسرة من عدمه، والحق في الوصول إلى وسائل منع الحمل, والحق في الرعاية الصحية للأمهات، والحق في الاستفادة من التقدم العلمي، والحق في الاستفادة من الرعاية والعلاج ضد فيروس نقص المناعة والأمراض المنقولة جنسيا.
العلاقات الجنسية للشباب تبدأ في سن الـ17 عاما
يصبح الشاب راغبا في القيام بعلاقات جنسية بداية من سن الـ17 سنة، باعتبار النمو الكامل لجسده، غير أن الإشكال يكمن في عدم درايته بما قد تخلفه العلاقات الجنسية غير المحمية، من أمراض ومشاكل صحية، حيث أفادت الدكتورة بديوان الأسرة والعمران البشري حياة اللباسي أن وسائل منع الحمل ضرورية لحماية الشاب من الأمراض، مؤكدة كذلك أهمية القيام بالفحص الطبي قبل الزواج، وتقديم معلومات صحيحة خاصة للشباب حول الثقافة الجنسية والصحة الإنجابية، لحمايته مستقبلا وتمتعه بسلوك جنسي مسؤول.
المسألة الجنسية حاضرة في الإسلام، ويجب طرحها دون حرج
لا يمكن الحديث عن الصحة الجنسية والإنجابية بعيدا عن المقاربة الدينية، حيث قال الأستاذ المحاضر بجامعة الزيتونة منير جمور إن المسألة الجنسية حاضرة في الإسلام من خلال النصوص القرآنية والسنة النبوية الشريفة وحاضرة كذلك من خلال ما دوّنه الفقهاء في مسائل العبادات وكذلك بما يتعلق بالزواج والطلاق والأحوال الشخصية.
وأكد جمور أن مداخلته التي اندرجت ضمن الدورة التكوينية التي نظمتها الجمعية التونسية للصحة الإنجابية الموجهة للإعلاميين طيلة 4 أيام، أن المسألة يجب أن تطرح بعمق ودون حرج، معللا ذلك بأن القرآن الكريم مثلما تناول مسائل تتعلق بالمال، تناول كذلك مسائل تتعلق بالعاطفة، والاستقرار داخل الأسرة، والسكينة والمودة وتحدث عن المسألة الجنسية ولايجب التغافل عنها في العلاقة بين الزوجين، مفسرا ذلك بأن من مقاصد الزواج قضاء الشهوة، ومن مقاصده كذلك الإنجاب، موضحا أنه لا يمكن تحقيق تلك المقاصد دون العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، قائلا ”إن الشهوة خلقها الله في الإنسان أكان ذكرا أو أنثى”.
كما أوضح الأستاذ المحاضر بجامعة الزيتونة منير جمور، أن الإسلام ضبط العلاقة الجنسية في إطار الزواج، كاشفا، أن كل العلاقات الجنسية خارج ذلك الإطار هي مرفوضة شرعا، ولا نقاش في ذلك، حسب تعبيره.
الثقافة الجنسية ضرورية كغيرها من الثقافات الاخرى
من جهتها فسرت الدكتورة المختصة في الاضطرابات الجنسية والناشطة بالمجتمع المدني إيناس دربال أن الجنسانية لا تشمل فقط الجنس، بل تتوزع لتشمل أبعاد أخرى، على غرار الثقافية والاجتماعية والبيولوجية.
وأوضحت أن الدورة التكوينية التي قدمتها الجمعية التونسية للصحة الانجابية، لا تتعلق فقط بالجنس، وإنما هدفها إيصال معلومة للشباب، مفادها أن العلاقة الجنسية ليست هي الهدف، بل تشمل قيما أخرى ويجب الوقوف عندها، لعل أبرزها الاحترام المتبادل واحترام الحقوق الفرية والشخصية إلى جانب مبدأ الموافقة، وتعليمها للشباب حتى يتمكنوا من التعامل الصحيح مع المرأة وفي علاقاتهم المستقبلية.
كما أكدت دربال أن التربية الجنسية مسألة ضرورية، لأنها تقوم على العديد من القيم وتساعد في تجاوز مختلف السلوكيات السلبية والخاطئة، علاوة على كونها طريقة لمكافحة العنف الجسدي واللفظي ضد المرأة وتجاوز النظرة الدونية لها من قبل الرجل، كما أنها حلّ للخروج من مفهوم المجتمع الذكوري، ذلك المجتمع الذي يجعل من المرأة كائنا ضعيفا، ويساعد الرجل على التعامل معها على كونها شيئا مجردا، وليسا كائنا له حقوق، حسب تقديرها.
التربية الجنسية الشاملة ضرورية في المناهج التعليمية التونسية
من جهتها تطرقت المديرة التنفيذية للجمعية التونسية للصحة الإنجابية، أرزاق خنيتش إلى الهدف من الدوره التكوينية الموجهة للإعلاميين حول التثقيف الجنسي الشامل.
وأفادت بأن هذا النشاط التكويني يأتي في إطار مشروع مناصرة من أجل إدراج برامج التثقيف الجنسي الشامل في المناهج التربوية التونسية، مؤكدة أن الجمعية انطلقت في العديد من الأنشطة تتعلق بهذا المشروع، خاصة وأن العمل على التثقيف الجنسي الشامل للشباب انطلق منذ سنة 2015.
كما بيّنت خنيتش، أن اختيار العمل على هذا الموضوع يندرج ضمن إستراتيجية الجمعية، واستهدفت به عديد الفئات من الشباب والأئمة ووعاظ الدين والمدرسين والأولياء والإعلاميين، وتمكينهم من آليات التربية الجنسية الشاملة، والقائمة أساسا على العديد من البحوث الميدانية والتي أثبتت وجود العديد من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر لدى الشباب، وهو ما جعل الجمعية تعمل على الاهتمام بهذه الفئة وتثقيفها وتربيتها فيما يتعلق بجميع مقومات التربية الجنسية والإنجابية.
وأشارت إلى أن التثقيف الجنسي الشامل يتمثل في مدّ الشباب بمعلومات علمية صحيحة حول الصحة الجنسية والإنجابية والتعرف على حقوقهم وواجباتهم في هذا المجال، واتخاذ القرارات الصحيحة، ناهيك عن الابتعاد عن المعلومات المغلوطة المتأتية من الانترنات والمواقع الإباحية وحمايتهم من العلاقات الجنسية غير المحمية وتجنب مشاكل الحمل غير المرغوب فيه أو الإدمان، والتي أصبحت ظواهر متفشية في المجتمع.
كما أفادت بأن الدورة التكوينية الموجهة للإعلاميين مهمة جدا، وذلك لما يضطلع به الإعلام من دور رئيسي في إيصال المعلومة الصحيحة للشباب، وتمكينهم من آليات المشاركة في المشروع الخاص بالتربية الجنسية الشاملة وكيفية ادراجها في المناهج التعليمية بتونس.
لا يمكن أن تكون الثقافة الجنسية والصحة الانجابية، بمعزل عن باقي المعارف التي يجب تناولها وفهم أسرارها، باعتبارها جزء لا يتجزء من حقوق الانسان، خاصة وأن هناك العديد من الأمراض المنقولة عبر العلاقات الجنسية غير المحمية.
المصدر نسمة