يتواصل في تونس نزيف هجرة الكفاءات الطبية إلى الخارج، وسط مخاوف من انعكاس ذلك على توازن المنظومة الصحية في البلاد، التي تعيش منذ سنوات حالة من الانهيار.
فعلى سبيل المثال، في 2017 قرر الطبيب التونسي الشاب مالك قطاط السفر إلى ألمانيا، باحثا عن أفق أكاديمي أرحب في البحث العلمي في مجال طب النفس، وظروف عمل أكثر احتراما للكفاءات الطبية.
ويصف الشاب الظروف المهنية التي عاشها في مستشفيات تونس كطبيب داخلي بالمأساة المتكررة بشكل يومي، وسط عجزه عن تغيير واقع القطاع الصحي الذي يصفه بالمرير.
ويضيف “وجدت نفسي كطبيب عليّ مسؤولية إنقاذ الأرواح البشرية عاجزا في كثير من الأحيان -مع زملائي- عن فعل ذلك، بسبب قلة الإمكانات الطبية، واهتراء البنية التحتية لأغلب المستشفيات العمومية”.
ويشدد الطبيب الشاب على أن أقساما استعجالية في أهم مستشفيات العاصمة التونسية تشهد اكتظاظا غير مسبوق، وسط غياب أي إستراتيجية صحية، ليجد الطبيب نفسه مواجها مصيره، وجها لوجه مع المريض وعائلته.
تجربة مريرة
ويستذكر مالك بحزن تجارب مأساوية عاشها خلال فترة عمله مع زميلة له حين عجزا في 2014 عن إنقاذ سيدة كانت حالتها معقدة بسبب التهاب جرثومي في القلب بعد استحالة توفير مكان لها في قسم الإنعاش.
ويضيف “حاولنا إنقاذها بما أوتينا من أجهزة تنفس يدوية لأكثر من خمس ساعات ونحن عاجزون، رافقناها وهي تفارق الحياة شيئا فشيئا حتى توقفت جميع وظائفها الحيوية ونحن تحت وطأة الصدمة”.
ويؤكد الشاب أن تلك التجربة المريرة وغيرها في المستشفيات التونسية كانت دافعا للهجرة إلى ألمانيا، مؤكدا أنه يعيش اليوم حالة من الرضا عن نفسه وعن عمله في أحد المستشفيات هناك.
حالة الطبيب الشاب مالك ليست سوى نموذج لمئات الأطباء التونسيين الذين قرروا مغادرة البلاد، وإن تعددت الأسباب، فإن أغلبها يعود -كما يقولون عبر صفحاتهم الاجتماعية- لظروف العمل المزرية في مستشفيات تونس ماديا ومهنيا.
حملة لفضح واقع قطاع الصحة
ولعل حادثة موت 15 رضيعا بأحد مستشفيات تونس بسبب الإهمال الطبي عمقت جراح الأطباء الشبان تحديدا، ودفعتهم لفضح المنظومة الصحية المهترئة في تونس، من خلال تدشينهم حملة عبر الشبكات الاجتماعية ترصد بالصوت والصورة واقع المستشفيات.
ونشر الأطباء الشبان صورا للواقع الكارثي الذي تعيشه المؤسسات الصحية في محافظات البلاد، على مستوى نقص النظافة والسلامة الطبية واحترام أدنى معايير الشروط والحق في الحياة للمريض.
ودون رئيس الجمعية التونسية للأطباء الشبان جاد هنشيري تعليقا مصحوبا بصورة مأساوية لإحدى سيارات الإسعاف تحمل مصابين؛ “صورة لأحد المستشفيات العمومية، وفيها السائق وحيدا يحاول إنقاذ أب وطفليه إثر حادث مرور قاتل صائفة العام 2016 نظرا لانعدام وجود الكادر المتخصص والسيارة المجهزة”.
ونشر الطبيب الشاب خليل الفرادي مقطعا صادما لعملية نقل طفل أجرى عملية في القلب عن طريق مدرج المستشفى بسبب تعطل المصعد وغياب آلة التصوير الطبي.
المصدر الجزيرة