تواجه تونس في السنوات المقبلة العديد من التحديات الصحية على غرار ارتفاع نسب الشيخوخة و الإصابة بالأمراض المزمنة وبروز أمراض معدية جديدة وارتفاع تكاليف العلاج في ظل منظومة علاجية عمومية منهكة، وفق ما جاء بمدونة الإصلاحات الاستراتيجية الكبرى التي نشرها، يوم الجمعة 12 جويلية 2019، المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية.
ووفقا لتقديرات فريق من الخبراء أشرفوا على إنجاز هذا المدونة، فإنه من المتوقع أن تتغير التركيبة السكانية في السنوات المقبلة بشكل ملفت حيث ستبلغ نسبة السكان الذين يبلغون 60 عاما فما فوق 20 بالمائة من العدد الإجمالي للسكان في سنة 2036، وهذا “سيجعلهم عرضة أكثر من غيرهم لخطر المرض والعجز وفقدان استقلاليتهم البدنية وخاصة العزلة”.
وتوقع الخبراء أيضا أن ترتفع نسب الإصابة بأمراض مزمنة بحكم ازدياد السلوك غير السليم على المستويين الفردي والجماعي نتيجة الركود البدني والتلوث والنظم الغذائية غير السليمة والتدخين وهو ما يتسبب في عديد المضاعفات التي قد تؤدي إلى فقدان الاستقلالية البدنية وإلى تفاقم النفقات الصحية سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المجموعة الوطنية.
كما حذّروا من ظهور أمراض معدية جديدة مستقبلا بسبب التغيرات المناخية التي تؤثر على الحرارة والهواء والمياه الصالحة للشرب والأمطار والغذاء، داعين إلى التأهب من أجل الحد من تأثير هذه التغيرات التي تتسبب في عواقب وخيمة على الحياة اليومية للسكان بسبب الكوارث الطبيعية على غرار الحرائق جراء الحر الشديد أو الفيضانات أو الجفاف.
وأشاروا إلى ارتباط جميع هذه التحديات بمشكلة ارتفاع النفقات الصحية للأسر التي وصلت نسبتها إلى 38 بالمائة سنة 2014 في وقت توصي فيه منظمة الصحة العالمية بعدم تجاوز 20 بالمائة لتفادي النفقات الكارثية واختلال التوازنات المالية للأسر، لافتين إلى أن هناك نحو 200 ألف تونسي كانوا ضحايا هذه النفقات الكارثية مما جعل نصفهم ينزل إلى ما تحت عتبة الفقر في 2014.
ومن أهم ملامح الأزمة الصحية في تونس “انعدام الرؤية الشاملة لتأطير نمو قطاع الصحة والمركزية المفرطة في تسييره ونقص الموارد المالية والبشرية لاسيما من الأطباء المتخصصين بالمناطق الداخلية إضافة إلى الحوكمة الضعيفة على جميع المستويات كما جاء في استتناج هؤلاء الخبراء الذين أكدوا على تدهور المنظومة العلاجية العمومية”.
ودق الخبراء ناقوس الخطر جراء استفحال ظاهرة هجرة الاطارات الطبية وشبه الطبية إلى الخارج بحثا عن رواتب أفضل وظروف عمل لائقة مقارنة بقطاع الصحة العمومية في تونس، في وقت تعاني منه البلاد من أوضاع اقتصادية صعبة مع ارتفاع نسبة التداين وارتفاع عجز الموازنة وتزايد المطلبية الاجتماعية لامتصاص نسبة البطالة المرتفعة وغيرها.
واقترحوا في المقابل جملة من الحلول لإصلاح المنظومة الصحية بناء على رؤية مستقبلية طويلة المدى لا تعالج المشاكل الحينية الحالية فقط بل تدرج الصحة والتنمية المستدامة في جميع السياسات العامة وتوفر بيئة سليمة ومساحات عامة داعمة للممارسات والسلوكيات الصحية الايجاببية بالاضافة إلى اعتماد خارطة صحية تشمل قطاعات الرعاية الصحية العمومية والخاصة وتضمن استمرارية الرعاية باعتماد معرف وحيد وملف طبي رقمي.
كما دعوا إلى تركيز منظومة صحية تتمحور حول الشخص وتمكن من الرعاية في المنزل ومن خدمات إقامة استشفائية متوسطة وطويلة الأمد عبر شبكة المستشفيات المحلية وتعتمد أيضا على الشراكة بين قطاع الصحة العمومية والقطاع الخاص، مقترحين تمويل هذه المنظومة عبر الضرائب والمساهمات في أنظمة الضمان الاجتماعي.
وطالب الخبراء بتأهيل الموارد البشرية بما يكفي من قدرات على تزويد المرضى بالخدمات وتلبية احتياجاتهم الصحية والنهوض بالمهارات طوال الحياة المهنية بالإضافة إلى تحديث الاطار القانوني والمعايير المعتمدة للنهوض بالصحة وتعزيز التعاون والتنسيق بين القطاعات لوضع الصحة في جميع السياسات العامة.