نشرت صحيفة ”نيويورك تايمز”، مقالا الإثنين 8 أكتوبر 2018، تحدثت فيه عن الوضع في تونس، من جميع جوانبه، الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، واصفة إياه بـ”الجحيم”، مستندة في ذلك إلى ”عجز الحكومة الحالية عن تغيير الأوضاع وتحقيق مطالب الشعب التي تتلخص في التنمية والتشغيل، علاوة على الهاجس الأمني والسلم الإجتماعي”.
مقال ”نيويورك تايمز” بدا وكأنه حوصلة للوضع في تونس، وتلخيص لمجهودات الحكومة في الآونة الأخيرة للتعامل مع الأزمتين الإقتصادية والإجتماعية، والتي أحالت الوضع إلى أزمة ثالثة طفت على السطح ألا وهي ”الأزمة السياسية”.
مستهل المقال تضمن ربطا ضمنيا بين أداء حكومة الشاهد وتفجر الأوضاع الإجتماعية في البلاد، حيث كتب محرّر المقال: ”أدى فشل الحكومة في تحسين الإقتصاد وحياة الشباب إلى موجة من الاحتجاجات”، وهي إشارة ضمنية إلى الإحتجاجات الإجتماعية التي برزت في جانفي مع بداية السنة الحالية ضد إجراءات قانون المالية أنذاك، لتتواصل ولكن بشكل أقل حدة وفي أوقات متباعدة وبمنهج قطاعي بعيد قليلا عن الطابع الشعبي مثلما حدث في بداية السنة، لكن هذا لا يخفي بروز حراك إجتماعي يسلّم بأن الحكومة هي المسؤول الأول والأخير عن الأوضاع التي آلت إليها البلاد.
”الدولة التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون”، هكذا وصف كاتب المقال تونس، حيث إختار الدلالة على العدد غير الكبير للسكان مقارنة بالموارد المتوفرة للدولة والمصادر الكثيرة الداعمة للإقتصاد، الأمر الذي يتعارض منطقيا مع إنحدار الوضع الإجتماعي وتفاقم البطالة وتدني مستوى العيش، حيث أرجع الأمر ضمنيا لـ”سعي الساسة لشق طريقهم للسلطة عبر سياسات براغماتية”.
المقال عرّج أيضا على بعض المفاهيم السياسية والسيسات الوطنية التي برزت مؤخرا في تونس، حيث تحدث كاتب المقال عن ”الوفاق السياسي الذي بدأ يتلاشى و العقد الإجتماعي المكسور و المهزوز بفعل غياب الإستقرار منذ 2011”.
من الجانبين الإقتصادي والإجتماعي، أشار محرّر المقال إلى ”إرتفاع التضخم والبطالة التي وصفها بأنها ‘مرتفعة بشكل كبير’، والإضرابات والإحتجاجات في الشوارع”، وهو ما ”أثر على الإنتقال الديمقراطي الهش”، وفق ما ورد في المقال.
كاتب المقال، وهو عضو في كلية ماجدالين أكسفورد ومؤلف كتاب ”داخل تونس.. النهضة بين السياسة والوعظ” روري مكارثي، عرّج على الحوار الأخير لرئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، حيث أورد حديث الرئيس عن إنتهاء التوافق مع حركة النهضة، كما تحدّث أيضا عن تجميد نشاط رئيس الحكومة يوسف الشاهد داخل نداء تونس، مفسّرا الأمر بـ”تدهور علاقته بالرئيس”، مرجحا أن ”يستمر الشاهد في منصبه كرئيس حكومة إذا ما تمكّن من ضمان دعم النهضة له”.
ومن جانب مغاير تحدث ”مكارثي” عن تعليق مشاريع القوانين والتشريعا الهامة داخل البرلمان بسبب ”الإنقسامات السياسية التي عطلت عمل النواب، وأجلت تركيز المحكمة الدستورية وسد الشغور في هيئة الإنتخابات”.
وجاء في مقال ”نيويورك تايمز” أيضا أن ”النهضة تخلّت، كما أعلنت، عن مشروعها الإسلامي، وكيّفت وجودها في الساحة السياسية كحزب ديمقراطي ذو مرجعية إسلامية، واختارت التوافق السياسي تجنّبا لتهميش دورها وخوفا من العودة لمربع القمع الذي تعرض له أعضاءها في العهد السابق”.
وبالعودة للحديث عن الوضع السياسي عامة، كتب ”مكارثي” قائلا: ”ما حققه السياسيون التونسيون خلال السنوات السبع الماضية هو أمر رائع للعالم العربي”، واصفا إنتخابات 2011 و2014 بأنها ”إنتخابات حرة ونزيهة”، مشيرا إلى ”إرساء دستور تقدّمي بدأت إثره عدالة إنتقالية مازالت تدرس ببطء ممارسات ماقبل الثورة”.
وأرجع كاتب المقال الخلافات والأزمة السياسية إلى ”المناورات قبل الانتخابات الرئاسية 2019”، حيث ذكّر بنتائج الإنتخابات البلدية التي وصف نتائجها بأنها ”شهدت أداء جيّدا للنهضة مقابل تراجع لنداء تونس”، مرجحا أن يكون ذلك ”سببا للخلاف السياسي السابق لإنتخابات 2019، رغم خيبة الأمل التي بات يشعر بها التونسيون تجاه السياسيين والتي تجلّت في ضعف نسبة الإقبال في الإنتخابات البلدية”.
وفي سياق آخر نقل المقال ”إستنتاجات” المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية حول الإحتجاجات التي شهدها الشارع التونسي في السنوات الأخيرة، حيث بيّن أن ”الإحتجاجات إرتفعت من 1000 تحرّك في 2014 إلى أكثر من 11000 تحرّك في لعام الماضي”.
كما ذكر إرتفاع عدد المهاجرين من الشباب في ذات الفترة، إذ ”إختار حوالي 4000 شاب الهجرة بطريقة غير نظامية، وفق المنظمة الدولية للهجرة”.
وفي هذا الصدد قال مكارثي :”إن حياة هؤلاء الشباب الذين أسقطوا نظام بن علي في عام 2011 لم تتغيّر”، ذاكرا نسبة البطالة التي قال إنها ”تبلغ نسبة 36 بالمائة في صفوف الشاب”، مشيرا أيضا إلى ”إرتفاع التضخم ليصل إلى 7.8 بالمائة في جوان الماضي، وهو أعلى مستوى منذ مايقارب الثلاثة عقود”.
وأوضح، من جانب آخر، أن ”إقتصاد تونس يعتمد بشكل كبير على صادرات المنتوجات الكهربائية والنفط والفسفاط، فضلاً عن السياحة”، متابعا أنه ورغم ”تعدد مصادر دعم الإقتصاد إلا أن النمو بقي ضعيفًا ولم يتطوّر منذ 2011، كما أدى إنهيار الدينار إلى إرتفاع تكلفة الواردات”.
كما نقل المقال أن ”الحكومة تعرضت لضغوط من صندوق النقد الدولي لتقليص من مصاريف القطاع العام، ورفع الدعم، ومعالجة أوجه القصور في المؤسسات العامة التي تديرها الدولة”، مذكّرا أن ”الإمتثال لهذه التوصيات له تكاليف إجتماعية باهضة، وموجات من المظاهرات قد تطفو على السطح”.
هذا وجاء في المقال أيضا، تذكير بأن ”الاتحاد العام التونسي للشغل دعا إلى تنفيذ إضرابين في القطاع العام والوظيفة العمومية موفى أكتوبر الحالي واواخر نوفمبر القادم، معارضة لسياسة الحكومة تجاه المنشآت العامة والقطاع العمومي”، كما رجّح المقال أيضا أن ”تنتشر الإحتجاجات ضد سياسة الحكومة للمطالبة بالتشغيل والتنمية في المناطق المهمشة”.
واستند المقال في ترجيحه أن الإحتجاجات قد ترتفع، إلى ماحصل في ”الكامور” من ولاية تطاوين السنة الماضية حيث ”نظم آلاف المتظاهرين إعتصامات وإحتجاجات طيلة أسابيع، للمطالبة بالتشغيل وإنتداب الشباب العاطل في المؤسسات البترولية الناشطة بالجهة، حيث قام المحتجون بقطع خطوط الأنابيب في الصحراء مما أوقف تدفق النفط”، ووصف المقال الحادثة بـ”رد الفعل الشديد بعد عقود من الاستبعاد”، ذاكرا أن ”الحكومة هدّأت الاحتجاجات أنذاك بوعد حل إشكاليات التشغيل والإنتداب في الجهة”.
وتحدث الكاتب كذلك حول ”تدهور الديمقراطية في تونس تدريجيا في السنوات الأخيرة بسبب غياب الإرادة السياسية الحقيقية لبناء عقد إجتماعي، وإستبدالها بسياسات توافقية أخّرت الإصلاحات وأدت إلى إنتقال ديمقراطي غير مكتمل”
وفي هذا السياق ذكر الكاتب أن ”تأخر إرساء المحكمة الدستورية، واستمرار حالة الطوارئ في البلاد على مدى السنوات الثلاث الماضية، منح الحكومة سلطة الضغط على حقوق المواطنين”، مشيرا إلى أنه ”على خلفية إحتجاجات جانفي الفارط حول إرتفاع الضرائب والزيادة في الأسعار، قامت الحكومة بإلقاء القبض على 800 شخص”.
ووصف مكارثي الأمر بالقول: ”هذه ليست عودة إلى الماضي الاستبدادي، ولكن هذا ليس بمستقبل ديمقراطي كريم، ناضل التونسيون من أجله”.
واختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن ”نقطة البداية في عملية الإصلاح تكون بمراجعة قوانين الضرائب والاستثمار والبنوك، وإرساء التمييز الإيجابي للنهوض بالمناطق المهمشة بالبلاد”.
المقال: صدر عبر الموقع الرسمي للصحيفة الأمريكية ”نيويورك تايمز the new york times”
المصدر نسمة